صلاحيات رئيس الدولة في الحكومة البرلمانية

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/15 الساعة 06:00

 أعادت التعديلات الدستورية لعام 2022 النقاش حول دور جلالة الملك في الحكومات البرلمانية، حيث اعتبر البعض أن إضافة عدد من المناصب الدينية إلى الشخصيات التي يتم تعيينها بإرادة ملكية منفردة يتعارض مع مفهوم الحكومة البرلمانية، إذ يتمثل الاعتقاد بأن هذه الحكومة يجب أن يثبت لها وحدها السلطة الكاملة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ومن ضمنها تعيين كبار الموظفين.

 
إن الولاية العامة لمجلس الوزراء في الحكومة البرلمانية يعد من الركائز الأساسية التي لا خلاف حولها. لكن يبقى التساؤل الدستوري الأبرز يتعلق بصلاحيات رئيس الدولة في ظل وجود حكومة منتخبة، وما إذا كان عليه أن يتنازل عن كافة سلطاته الدستورية لصالح رئيس الوزراء المنتخب.
 
إن مفهوم الحكومة البرلمانية لا يعني بأي حال من الأحوال تجريد الحاكم من كافة صلاحياته الدستورية ونقلها إلى مجلس الوزراء المنتخب، إذ يتوافق مع المنطوق الدستوري للحكومة البرلمانية وجود حكومة منتخبة ورئيس دولة يمارس صلاحيات دستورية محددة تتعلق بحماية المصالح العليا للدولة وضمان أمنها القومي.
 
ففي بريطانيا مثلا، والتي يعتبرها البعض بأنها النموذج الأفضل في تكريس مفهوم «رمزية الملك»، فإنه يثبت للملكة حقوقا دستورية تسمى Prerogative Powers تنفرد بممارستها، ذلك على الرغم من وجود حكومة نيابية، هي حكومة الحزب الفائز في الانتخابات.
 
وقد ظهرت هذه الحقوق الدستورية التي تمارسها ملكة بريطانيا بشكل واضح وجلي خلال الأيام الماضية. فمع بداية هذا العام، قررت الملكة إليزايبث تجريد نجلها الأمير أندرو من واجباته العسكرية وامتيازاته الملكية، وسحبت منه لقب «صاحب السمو الملكي»، وذلك ردا منها على التهم الموجهة له بارتكاب جرائم جنسية. وقد وصل الأمر بالملكة البريطانية بأن أعلنت أن ابنها–الذي كان التاسع في ترتيب ولاية العرش–سيدافع عن «قضيته بصفته مواطنا عاديا».
 
وقبل أيام، قررت ملكة بريطانيا أن تمنح كاميلا–زوجة ولي العهد الأمير تشارلز–لقب ملكة، وذلك عند اعتلاء زوجها العرش الملكي بعد وفاتها. وقد جاء هذا القرار بما للملكة من صلاحيات دستورية تمارسها بنفسها حتى مع وجود رئيس وزراء منتخب من الشعب.
 
إن هذا المفهوم الدستوري للحكومة البرلمانية القائم على أساس عدم تنازل التاج البريطاني عن كافة حقوقة الدستورية لصالح رئيس الوزراء المنتخب، واحتفاظه بقدر من الصلاحيات الخاصة به، يتوافق تماما مع ثبوت الحق لجلالة الملك في تعيين كبار المناصب العسكرية والأمنية والسياسية والدينية في الدولة، باعتباره رأس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية، ولكي تبقى هذه الشخصيات بعيدة عن التجاذبات السياسية والحزبية.
 
ومن الصلاحيات الدستورية الأخرى التي يجب أن يحتفظ بها جلالة الملك ويتجاوز في ممارستها أي حكومة منتخبة، حقه المطلق في التصديق على تعديل الدستور أو رفضه، إذ لا يعتبر أي تعديل على الدستور نافذا ما لم يصدق عليه الملك، وذلك عملا بأحكام المادة (126/1) من الدستور.
 
وقد سبق لجلالة الملك أن حدّد في الورقة النقاشية الثالثة دور الملكية عند تشكيل الحكومات البرلمانية بقوله »... وسنتمكن من المضي نحو مرحلة يتولى فيها ائتلاف أحزاب الأغلبية في مجلس النواب تشكيل الحكومة، وعلى امتداد هذه العملية سأحرص على القيام بمسؤولياتي، خصوصا استمرار الملكية بالقيام بدور الحامي للدستور ومقومات الحياد الإيجابي والاستقرار والعدالة، إضافة إلى دور الملكية في تجاوز حالات الاستعصاء السياسي بين مجالس النواب والحكومات، ومواجهة الحالات الاستثنائية التي تتطلب حماية أمن الوطن وسيادته ووحدته في حال تعرضه إلى تهديد حقيقي».
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/15 الساعة 06:00