حين غضب الملك الحسين بدائرة المخابرات

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/09 الساعة 00:20

 رحم الله الحسين بن طلال في ذكراه الثانية والعشرين، ورحم الله عدنان أبو عودة الذي غادرنا بهدوء الى الرفيق الأعلى، وعلى وقع الذكرى تقترب بعد أقل من شهرين الذكرى الرابعة والخمسون لمعركة الكرامة التي استبسلت فيها قيادات فرق وألوية وكتائب دبابات ومدفعية وتشكيلات من سلاح الدروع، ومشاركة المقاومة الفلسطينية، دحر جيشنا العدو وكسرت شوكته وانتصرت عليه لأول وآخر مرة بين جيوش العرب، أما المناسبة الاستباقية فهي إعادة تذكير لمن يفرطّون بسلاحهم ويستبدلونها بسكاكين تقطيع «الكيكة»، ومن يرون المؤسسات الوطنية عالة عليهم فيما هم يتنعمون ثم يرحلون بامتيازاتهم.

للمرة الثانية سأتناول رواية «أبي السعيد» عن القوات المسلحة وقوة الصحافة، فقد قال لي بحضور ثلاث شخصيات محترمة: «وبعد انتهاء معركة الكرامة وجلاء المشهد زار الملك الحسين دائرة المخابرات العامة واجتمع فيها مع مديرها محمد رسول الكيلاني ومجموعة من كبار الضباط بينهم على ما ذكر، مضر بدران ونذير رشيد واحمد عبيدات وطارق علاء الدين ونصوح المجالي وآخرين فضلا عن أبي عودة، وأردف بالقول: ان الملك جاء كي يسمع من قيادة المخابرات تقدير موقف لنتائج المعركة المشهودة، وأدلى الجميع بدلائهم مدحا وافتخارا بتضحيات وبلاء جيشنا الذي دحر العدو، وفي خضم الحديث نظر الملك إلي وسألني: «ليش انت ساكت؟» فقلت: يا سيدي انتصار جيشنا تم اختطافه ولا أحد يصدقنا.
 
ثم قال: قطب الحسين حاجبيّه وبدا الغضب على محياه، وعيون الضباط ترمقني بالشرر، وأنا خنست ولم أنبس، فقام الملك فورا وغادر وسمعت تأنيبا من المدير عما قلته، وأدركت لحظتها أنني سأغادر موقعي كنائب لمسؤول شعبة إسرائيل، وفي اليوم التالي وأنا في مكتبي وردني اتصال داخلي يبلغني بأن جلالة الملك يطلبك حالا، ومن فوري خرجت وتوجهت الى الديوان الملكي وقابلت الملك الذي قابلني بابتسامة أراحتني، وبادرني بالسؤال عن جوابي له رغم معرفتي بأننا انتصرنا، فقلت يا جلالة الملك، هناك مئة صحيفة في لبنان ومثلها في العراق وسوريا ومصر وإذاعاتٍ تهاجمك وتهاجم الأردن وجيشه، وتقول إن المقاومة الفلسطينية وحدها هي التي انتصرت ودحرت العدو ولم يفعل الجيش الأردني شيئاً كثيراً، رغم أن الجيش هو الذي حسم المعركة منذ البداية.
 
ثم قال الملك وأنت ماذا تقترح، فقلت يا جلالة الملك نحن لا نملك أي صحيفة تبرز انجازاتنا وبطولاتنا، حتى الإذاعة الأردنية لا يسمعها غيرنا، ويجب أن نتحرك لإنشاء صحيفة وتلفزيون يدافعان عن البلد وينشران وجهة نظرنا، فكل دول العالم تعتمد على الصحافة لنشر وجهة نظرها وإبراز صورتها الحقيقية وتعالج مكامن الضعف في الإدارة وتتيح للمواطنين استقاء الأخبار الصحيحة لا ما تطلقه إذاعات وصحف حزبية راديكالية، ومن هناك بدأ العمل لإنشاء التلفزيون الأردني وافتتاحه بعد شهرين 1968 فيما تعرقلت ولادة صحيفة دولة بسبب التوترات والأحداث، حتى توافق الملك الحسين ودولة الرئيس وصفي التل على ولادة صحيفة الرأي التي تقرأونها اليوم..
 
إذن أمامنا شواهد على العصر الأردني فكانت القوات المسلحة وجهاز الاستخبارات حماة للوطن، فيما قادت "الرأي" المشهد الأردني الوطني من ذلك الحين حتى اليوم الذي نواجه فيه عالماً جديداً يريد إحالتها إلى التقاعد وذبحها بسكاكين الفاكهة على طاولة المتخمين، وإن كانت مدفعية الفرقة الرابعة وكتيبة المدرعات الأولى واخواتهما في ذاكرة معارك البطولة في الكرامة وحماية عمان، فإن الرأي لا تزال كذلك مدفعية الدولة، ولسان الوطن وواجهة الصحافة الأردنية، وهي إرث الأجداد والآباء ووعاء الذاكرة الوطنية، وهناك فرق كبير بين أن تموت لحسابات الثمن أو تحيا في حسابات القيمة، فهذه القيمة والرمزية اللتان لـ الرأي هما من رمزية الوطن الذي تسلق جدرانه من لا يستحقونه.
 
نحن في صحيفة الرأي لا نتمنى إلا الخير لجميع مؤسساتنا التي أهلكتها البيروقراطية والوظائف المقنّعة والمنافع غير المستحقة للمحاسيب، ولكن حتى لا نظن بأنفسنا وبدولتنا سوء الظن والتهميش، فنحن باقون مدفعية إعلامية حتى لو نفدت كل ذخيرتنا، فقد اعتاد الأسد على عضات الثعالب، ونحن لا نخجل من مواقفنا بل نخجل على من ولّوا وجوههم عنا.. وسنبقى مع الشعب وللشعب والدولة والوطن برمته وقضه وقضيضه ومواطنيه ولاجئيه، رغم العابرين على جراحنا والحالمين بغرق السفينة...
 
أكنّا أم لم نكنّ!
 
Royal430@hotmail.com
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/09 الساعة 00:20