اقتصاديا.. لم نكن أفضل

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/06 الساعة 10:38

 ما يحتاجه الاقتصاد الوطنيّ هو إرادة صحيحة في التعاطي مع المشهد العام وفق إستراتيجية عابرة للحكومات ومجالس النوّاب، في ظل هذا الانفتاح الإعلامي الهائل الذي جعل من الجميع مراقبين ومحللين وناقدين.

يصرّ الكثير وفي إطار نقدهم للحالة الراهنة بالحديث والتأكيد على الدوام أن الأوضاع الاقتصاديّة في السابق كانت أفضل مما هي عليه الآن، ويرددون “سقا الله أيام زمان”.
شخصياً بحثت في الأمر من الناحية العلمية والعملية في الشأن الاقتصاديّ، ولم أعثر على شيء يؤكد أن الحالة الاقتصاديّة للأردن كانت في السابق أفضل مما هي عليه الآن.
فما يحدث في لبنان اليوم كان قد حدث للاقتصاد الأردنيّ سنة 1989، عندما انهار الدينار، ولم تعد الحكومة في ذلك الوقت قادرة على الوفاء بالتزاماتها الداخلية او الخارجيّة، حينها بدأ الدائنون بالحجز على ممتلكات الأردن في الخارج إن وجدت، والأخطر من ذلك كله، أنه لم يعد أحد يتعامل مع المملكة التي لم تعد قادرة على فتح اعتماد خارجي لشراء احتياجاتها من القمح، ولولا دعم الحكومة الألمانية في ذلك الوقت من خلال السماح لأحد بنوكها بفتح خط اعتماد سري للأردن، لكان الوضع المعيشي في خبر كان، فالمديونية ناهزت الـ120 % من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الموازنة زاد على 25 %، والبطالة وصلت الى 27 %، حينها لم يكن أمام المملكة سوى اللجوء لصندوق النقد الدولي لإعادتها للمجتمع الدوليّ، وهنا بدأت الرحلة مع برامج التصحيح الاقتصادي التي لم تنته لغاية يومنا هذا.
في السابق كان لدينا مؤسسة اتصالات واحدة تدرّ على الخزينة أرباحا بقيمة 100 مليون سنويّاً، وكانت خدماتها أسوأ مما يعتقده البعض، فالحصول على هاتف ثابت أشبه ما يكون بالمعجزة.
اما اليوم ، فهناك ثلاث شركات كبرى تقدم افضل خدمات الاتصالات والانترنت، وعشرات الشركات التي تقدم خدمات متطورة في تكنولوجيات المعلومات، يحولون للخزينة سنويا ما يزيد على 256 مليون دينار، ناهيك عن توظيف ما يزيد على العشرة آلاف موظف وعامل في القطاع.
في السابق كانت المساعدات الخارجيّة العامل الحاسم في استقرار الموازنة، لدرجة أنها في بعض العقود كانت تتجاوز- اي المساعدات- إيرادات الدولة ذاتها، أما اليوم فالمساعدات لا تزيد بأفضل حالاتها على الـ10 % من الموازنة، لا بل ان الإيرادات المحليّة تغطي لهذا العام أكثر من 86 % من النفقات الجارية.
في السابق لم يكن لدينا احتياطات من العملة الصعبة تكفي لتغطية شهر واحد من مستورداتها، بل انه في بعض السنوات كان الاحتياطي من العملات بالسالب، اليوم هناك احتياطات تتجاوز الـ18 مليار دولار، ناهيك عن 10 مليارات دولار يملكها القطاع المصرفي.
في السابق كان إجمالي الصادرات الوطنيّة لا يتجاوز المليار دينار في أفضل حالته، معظمها فوسفات وبوتاس وأسمدة، أما اليوم فالصادرات تقترب من الـ6 مليارات دينار، والسلع الأردنيّة تخترق أكثر من 130 سوقا في العالم.
في السابق كان لدينا محطات محروقات أشبه ما يكون بمزارع الدواجن وتربية المواشي، اليوم لدينا ثلاث شركات تسويقية تقدم من خلالها محطات محروقات بخدمات متنوعة بشكل حضاري مميز للناظرين.
هذه بعض المؤشرات الاقتصاديّة التي تثبت أننا اقتصاديّاً أفضل مما كنا عليه سابقا، لكن هناك لا شك مؤشرات تراجع فيها ترتيب الأردن بعد أن كان في المقدمة، وهي التي أحدثت شرخا بين الشّارع والحكومات.
فمستويات الخدمات التعليمية والصحية لم تعد كما كانت في السابق حيث الريادة الأردنيّة فيها، والأمر كذلك ينطبق على الإدارة العامة في مؤسسات ووزارات الدولة المختلفة، فهناك تراجع خطير أصاب هذه القطاعات، ولم يكن هناك محاسبة وتقييم لما حدث بشكل صحيح ورشيد.
ما يحتاجه الاقتصاد الوطنيّ هو إرادة صحيحة في التعاطي مع المشهد العام وفق إستراتيجية عابرة للحكومات ومجالس النوّاب، في ظل هذا الانفتاح الإعلامي الهائل الذي جعل من الجميع مراقبين ومحللين وناقدين.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/06 الساعة 10:38