لماذا تتدهور الحياة الاجتماعية في أمريكا؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/05 الساعة 14:13
مدار الساعة - إنَّ القُوَّة الكامنةَ التي يُجابُه بها أيُّ مجتمعٍ أعباءَ الحياة، من تطوير الأداء الذاتي، أو تمتين الروابط الاجتماعية، أو طريقة التعامل مع الشعوب الأخرى، هي مجموعة من الجوانب المرتبطة التي تُسمى في البحث الأكاديمي برأس المال الاجتماعي والمعروف بــ(Social Capital)، حيث شكل هذا المصطلح جزءاً من نقاش العلماء والباحثين عن فضاءات المجتمع المدني، وفي طبيعة ارتباطه به، على اعتبار أن رأس المال الاجتماعي يستند في أساسه على رصيد اجتماعي قائم على التضامن بين الناس، لكنه كثيراً ما تعرض إلى انتكاسات (عبد الوهاب الأفندي، 2016)، حتى وصل إلى درجة التفكُّك في بعض المجتمعات.
ويُمكننا مقاربة ذلك مع ما جرى في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقدين الماضيين، وبناءً على ما سبق، نحاول في هذه الورقة إعطاء صورة واضحة عن نظريات رأس المال الاجتماعي، والإجابة عن بعض الأسئلة الاجتماعية والثقافية، وخاصة سؤال الثقة في المجتمع الأمريكي.
فما هو مفهوم رأس المال الاجتماعي؟ وكيف يمكن رصده في السياق الأمريكي؟ وهل طرأ تَغيُّر أو تراجع في مؤشراته داخل المجتمع الأمريكي؟ وإن كان كذلك فما هي عوامل ذلك التراجع (التفكُّك) في رأس المال الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية؟
أولاً: في مفهوم رأس المال الاجتماعي
يعود مفهوم رأس المال الاجتماعي إلى تاريخ الفكر السوسيولوجي، وهو آتٍ من مجموع النظريات الاجتماعية التي حاولت أن تَفهم خصائص الاجتماع البشري، بدءاً من نظرية العصبية في علم العمران عند ابن خلدون، حتى نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز.
ويُعتقد أن المرشد التربوي الأمريكي (ليدا هانيفان L. Hanifan)، كان أول من استخدم مفهوم رأس المال الاجتماعي سنة 1916م، ووصف به مجموع القيم الأخلاقية الموجودة في الحياة اليومية؛ من حُسن النية، والتعاطف، والاتصال الاجتماعي بين الأفراد، وهي بنظره عناصر تشاركية بين الناس في وحدة اجتماعية قوية (نادية أبو زاهر، 2013، (31– 32)).
ويُعرّفُ فرانسيسكو فوكوياما رأس المال الاجتماعي بأنه قدرة تنشأ من انتشار الثقة في المجتمع، أو في أجزاء معينة منه، ويُمكن أن يتجسد في أصغر مجموعة اجتماعية، وهي الأسرة، كما يوجد في أكبر المجموعات وهي الأمة، ويختلف رأس المال الاجتماعي عن الأشكال الأخرى لرأس المال البشري، من حيث تَكوّنه وانتشاره عبر آلياتٍ ثقافية، مثل الدين، والعادات التاريخية، وقيم مشتركة مادية وأخلاقية (فوكوياما، 1998، (42 – 43)).
ثانياً: واقع رأس المال الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية
أ- الأمريكيون وسؤال الثقة الاجتماعية
في واقع الأمر ترتكز الولايات المتحدة على شبكةٍ كثيفةٍ من المنظمات الطوعية أكثر مما لدى العديد من المجتمعات الغربية الأخرى، مثل الكنائس، والجمعيات المهنية، والمؤسسات الخيرية، والمدارس الخاصة، والمستشفيات، وبالطبع لديها قطاع أعمال واسع جداً.
وكان أول من تَحدث عن هذه الركائز الاجتماعية المعقدة في المجتمع الأمريكي هو الرحالة الفرنسي (ألكيس دي توكفيل)، من خلال زيارة قام بها إلى أمريكا في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ووفقاً لتوكفيل Tocqueville: "فإن الأمريكيين من كل الأعمار والميول يُؤسسون جمعياتٍ باستمرار، وليس لديهم شركات تجارية وصناعية، يُشارك فيها الجميع فحسب، بل لديهم ألفُ نوعٍ آخر من المؤسسات الدينية والأخلاقية، أو الجدية، أو العقيمة" (Robert D. Putnam, 1995, (65)).
وعلى الرغم من ذلك فإن التوازن بين النزعة الفردية والروح الجماعية قد اختلَّ بشكلٍ كبير في المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة الماضية، فالمجموعات الأخلاقية التي تَشكل منها المجتمع المدني الأمريكي، بدءاً بالعائلة، ومروراً بالأحياء، والكنائس، وانتهاءً بأماكن العمل، تعرضت للتدهور والتفكُّك حسب فوكوياما (فوكوياما، المرجع نفسه، (370)).
وكذلك تُوحي عدَّة مؤشّرات بأن الترابط الاجتماعي العام تراجع بشكل واضح، وأن معدلات الثقة انخفضت إلى أدنى مستوى لها، فما هي مؤشّرات هذا التراجع (التفكّك) في رأس المال الاجتماعي الأمريكي؟
ب- مؤشّرات تفكُّك رأس المال الاجتماعي الأمريكي
اهتمت معظم الدراسات الحديثة في دراسة إشكاليّة الثقة، ويرجع ذلك إلى تزايد الشّكّ في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث أظهرت المعطيات تراجعاً كبيراً في الثقة الاجتماعية في أمريكا، وكان لهذا التراجع انعكاسات مُهمة على الديمقراطية، وانعكاسات أخرى على الاقتصاد، فبدأت الولايات المتحدة بدفع مبالغ أكبر مما تدفعه الدول الغربية الأخرى من أجل تأمين الحماية الشُّرطية، وهي التي تضع أكثر من 1% من مجموع سكانها خلف القضبان سنوياً، كما تدفع مبالغ أكبر مما تدفعه دول أوروبا الغربية واليابان إلى المحامين والحقوقيين فيها، حتى يتسنى لمواطنيها مقاضاة بعضهم (فوكوياما، المرجع نفسه، (24 ـ 25)).
وقد أَعدَّ بوتنام (Putnam) بياناتٍ تُشير إلى حدوث تدهورٍ مُذهلٍ في الترابط الاجتماعي الأمريكي منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، فمنذ الخمسينات انخفضت معدلات العضوية في الجمعيات الطوعية، كما قلت أعداد المنتسبين إلى النقابات العمالية من 32.5% سنة 1960 إلى 15.8% في 1993، وكذلك فقدت العديد من المنظمات الأخوية مثل ليونز (lions)، وإيلكس (Elks)، وجايسيز (Jaycees) أكثر من نصف أعضائها، وطرأت انخفاضات مماثلة في منظمات مثل الكشافة، والصليب الأحمر الأمريكي، وغيرها.
وفي إحدى الدراسات السوسيولوجية، سُئل المُشارك في الدراسة عن عدد المرات التي يقضي فيها أمسيةً اجتماعية مع أحد جيرانه، فكانت الإجابة عن السؤال: "أكثر من مرة واحدة في السنة"، بحيث انخفضت من 72% سنة 1960، إلى 61% سنة 1993م. وفي دراسة أخرى سُئل أمريكيون عما إذا كانوا يشعرون بأنه يُمكن الوثوق بجميع الأفراد، فكان أن هبط عدد الذين ردّوا بالإيجاب من 58% سنة 1960، إلى 37% سنة 1993م. (Putnam, (38 -4).
ولئِن كان الأمر كذلك فإن عامل الثقة الاجتماعية تراجع بشكل كبير، من خلال ملاحظة ارتفاع معدلات ارتكاب الجريمة، حيث سجلت أمريكا ارتفاعاً كبيرا كأكثر من أي بلدٍ مُتقدم، وقد استطاع الأثرياء حماية أنفسهم من آثارها المباشرة بالانتقال من الضواحي الشعبية إلى الضواحي الغنية، أو إحاطة بيوتهم ومنازلهم بأسوارٍ تحميهم، غير أن الآثار غير المباشرة للجريمة كانت أكثر تدميراً للإحساس بالروح الجماعية من تلك المباشرة، فقد وقعت حادثة في ولاية لويزيانا سنة 1992م، حين أقدم رجل أمريكي اسمه رودني بيرز Rodney Pairs على قتل الطالب الياباني يوشيهيرو هانوري Yoshihiro Hattori، فأطلق عليه النار عندما توقف خطأً قرب باب منزله، وكان هانوري في طريقه لحضور حفلة خاصة، ورغم أن الحادثة نالت اهتماماً كبيراً في اليابان وأمريكا، فإن القضية الفعلية كانت فقدان الثقة في المجتمع، فصاحب المنزل يُظهر الارتياب في التعامل مع العالم الخارجي، لدرجة أنه مستعدٌ لإطلاق الرصاص على فتىً يَعيشُ في الحي نفسه، وفي مثال آخر على تراجع الثقة، أنه في السنوات الأخيرة توقفت أكثر الشركات الأمريكية عن كتابة رسائلِ توصيةٍ لموظفيها الذين يودّون الانتقال إلى وظائف أخرى؛ لأن الموظفين الذين لم تُعجبهم نوعية الرسائل أقاموا دعاوى على أصحاب العمل وكسبوها، فكانت سبباً لانعدام الثقة بين الشركات وموظفيها السابقين (فرانسيس فوكوياما، المرجع نفسه، (374 ـــ 374).
جـ- عوامل تراجع (تفكُّك) رأس المال الاجتماعي الأمريكي
رغم وجود نزعة اجتماعية أمريكية تدفع للعمل في المؤسسات التطوعيّة، وفي تجمعات مختلفة، فإنها اليوم تعاني من الضعف في نواحٍ عدة، وهي تُشكل عوامل تراجعها وتفككها:
1- التدهور الكبير في الحياة الأُسرية، والتي تُمثل أصغر حلقةٍ للترابط الاجتماعي؛ نتيجة الارتفاع الحاد في معدلات الطلاق، وزيادة أعداد الأُسر التي هجرها الآباء أو الأمهات، وإذا ما خرجنا من نطاق الأُسرة، نجد تفككاً أكثر في التجمعات الأوسع؛ مثل الأحياء والكنائس وأماكن العمل، ولكن أبرز تدهور في الحياة الاجتماعية الأمريكية هو تفكُّك العائلة، فقد كانت له عواقب اقتصادية، تمثلت في ارتفاع معدلات الفقر؛ لارتباطه بوجودِ الأُم كمعيلٍ وحيدٍ للأُسرة.
وقد رأى بوتنام أن زيادة فاعلية المرأة العاملة في سوق العمل كانت سبباً لانخفاض رأس المال الاجتماعي؛ حيث انتقلت الملايين من النساء الأمريكيات من المنزل إلى العمل المأجور، وكان ذلك أحد الأسباب في زيادة متوسط ساعات العمل الأسبوعية، وأدت هذه الحركة النسائية إلى خفض الطاقة اللازمة لبناء رأس المال الاجتماعي؛ حيث سُجل أكبر انخفاض لمشاركة المرأة منذ سنة 1970م، وامتنعت كثير منهن عن دخول نقابات أو تجمعات، كرابطة الناخبات، واتحاد نوادي المرأة، أو الصليب الأحمر، وهو ما أدى حسب بوتنام إلى تآكلٍ في رأس المال الاجتماعي الأمريكي. (Putman, (pp.73-74)
2- ثورة الحقوق في أمريكا (الإصلاحات الليبرالية الحديثة)، ففي سنة 1965م صدر قانون الحقوق المدنية، وقانون الانتخاب، فقدمت هذه التغييرات الدستورية أساساً أخلاقياً وسياسياً، وهو ما رسخ جذور الفردية، وأثَّر على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الواقع أدى إلى إضعاف قوة الجماعات كلها، فأصبحت المدن أقل قدرة على السيطرة على المواد الإباحية، ومُنعت هيئات الإسكان العام من حرمان المستأجرين من ذوي الاتجاهات الإجرامية أو مدمني المخدرات من الحصول على السكن (فرانسيس فوكوياما، المرجع السابق، (378).
كما زادت حالات اللجوء إلى المحاكم كوسيلة لتسوية النزاعات الدينية، وهو الذي أضعف قدرة التجمعات الكبيرة، وغدت بذلك الولايات المتحدة الأمريكية تُمثل صورةً متناقضة لمجتمعٍ يعيش على ثروة ضخمة من رأس المال الاجتماعي جرى تكديسها سابقاً، والذي يعطيه حياةً حافلةً وحركية، في الوقت الذي يَظهر فيه تطرفاً في انعدام الثقة، وتفشي الفردية التي تميل إلى عزل أعضاء المجتمع عن بعضهم البعض (فرانسيس فوكوياما، المرجع نفسه، (71).
3- أسهمت بعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة في انهيار الثقة، وتراجع رأس المال الاجتماعي الأمريكي، فالثورة الصناعية دمَّرت النقابات المهنية والمدن الصغيرة، والعائلات الممتدة، والصناعات المنزلية، والمجتمعات الزراعية في أواخر القرن الماضي، كما كان لإزالة الأحياء الشعبية دور في تدمير كثير من الشبكات الاجتماعية التي كانت قائمة في الأحياء الفقيرة، حيث حلَّت مكانها وحدات سكنية عامة ذات طوابق عديدة تفتقر إلى هوية مميزة، وبالرغم من أن المنظومات السكانية القديمة غالباً ما تكون قائمة على العرق أو الدين، فإنها تُشكل مصدراً لتنامي الروح الجماعية بين الأمريكيين في الطبقى الوسطى والفقيرة (فرانسيس فوكوياما، المرجع نفسه، (71).
إذاً فقد أدى التفكّك المستمر في الروابط الاجتماعية، ابتداءً من العائلات والأحياء إلى مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية، والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية، والناتج -بشكل أو بآخر- عن عامل انعدام الثقة في المجتمع الأمريكي، إلى تفكُّك متزايد في رأس المال الاجتماعي الأمريكي، وهو ما دفع باحثين كُثراً لابتكار نظرياتٍ للتواصل الاجتماعي أكثر متانة من الصلات العائلية التقليدية، وأصبح بإمكان الأشخاص الذين يثق بعضهم ببعض، ويُجيدون العمل معاً للتكيف مع ظروف جديدة، يُوازن فيها الفرد الأمريكي بين فرديته المحمية بالدستور وحقوقه المدنية ودوره الاجتماعي، واحترام إرادة الآخرين (كما طرح ذلك فوكوياما في نظرياته)، وهو من شأنه أي يكون له دور في إعادة الثقة، وتعزيز قوة المجتمع المدني من جديد، غير أن العوامل السياسية والإعلامية، وخاصة بعد تسلم دونالد ترامب للسلطة، وما سببه ذلك من تزايُد الخلافات بين النخب السياسية والحزبين المسيطرين على مقاليد الأمور في الإدارة الأمريكية، وأواخر عهده الذي خلف صدمة كبيرة نتيجة اتهامه الديمقراطيين بتزوير الانتخابات، وما خلفه من هجوم جمهوره على الكونغرس من آثار سلبية على الوضعية الاجتماعية والمؤسسية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد هز عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتصريحاته العنصرية، وكذلك طموحات أنصاره المجتمع الأمريكي، وهو ما قاد لزوبعة يمينية "متطرفة" أعادت تعريف أدوار الفاعلين الأمريكيين ومكانة الأفراد والعرقيات في المجتمع، والبحث من جديد في مدى تأثير القوانين في دولة عظمى تمتلك أقوى المؤسسات، ويتجدد فيها التنافس والصراع بين الحين والآخر.
لكن ماذا عن مكانة الاسرة في الاسلام؟
قبل أن نعرف مكانة الأسرة في الإسلام ودور الإسلام في بناء الأسرة وتنظيمها وحمايتها لابد أن نعلم ماذا كانت الأسرة قبل الإسلام وعند الغرب في هذا الزمان.
مكانة الأسرة قبل الإسلام
كانت الأسرة قبل الإسلام تقوم على التعسف والظلم، فكان الشأن كله للرجال فقط أو بمعنى أصح الذكور، وكانت المرأة أو البنت مظلومة ومهانة. ومن أمثلة ذلك أنه لو مات الرجل وخلف زوجة كان يحق لولده من غيرها أن يتزوجها وأن يتحكم بها، أو أن يمنعها من الزواج. وكان الذكور الرجال فقط هم الذين يرثون وأما النساء أو الصغار فلا نصيب لهم.
وكانت النظرة إلى المرأة أماً كانت أو بنتاً أو أختاً نظرة عار وخزي لأنها كانت يمكن أن تسبى فتجلب لأهلها الخزي والعار فلذلك كان الرجل يئد ابنته وهي طفلة رضيعة كما قال تعالى: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون النحل / 58.
وكانت الأسرة بمفهومها الأكبر – القبيلة – تقوم على أساس النصرة لبعضها البعض ولو في الظلم إلى غير ذلك فلما جاء الإسلام محا هذا كله وأرسى العدل وأعطى كل ذي حق حقه حتى الطفل الرضيع، وحتى السقط من احترامه وتقديره والصلاة عليه.
مكانة الإسرة في الغرب
والناظر إلى الأسرة في الغرب اليوم يجد أُسراً مفككة ومهلهلة فالوالدان لا يستطيعان أن يحكما على أولادهما لا فكريا ولا خلقيا ؛ فالابن يحق له أن يذهب أين شاء أو أن يفعل ما يشاء وكذلك البنت يحق لها أن تجلس مع من تشاء وأن تنام مع من تشاء باسم الحرية وإعطاء الحقوق وبالتالي ما النتيجة؟ أسرٌ مفككة، أطفالٌ ولدوا من غير زواج، وآباء وأمهات لا راعي لهم ولا حسيب وكما قال بعض العقلاء إذا أردت أن تعرف حقيقة هؤلاء القوم فاذهب إلى السجون وإلى المستشفيات وإلى دور المسنين والعجزة، فالأبناء لا يعرفون آباءهم إلا في الأعياد والمناسبات. والشاهد أن الأسرة محطمة عند غير المسلمين .
المكانة التي جعلها الإسلام للمرأة في الأسرة
ولما جاء الإسلام حرص أشد الحرص على إرساء وتثبيت الأسرة والمحافظة عليها مما يؤذيها، والمحافظة على تماسكها مع إعطاء كل فرد من الأسرة دوراً مهماً في حياته:
فالإسلام أكرم المرأة أما وبنتا وأختا، أكرمها أماً: فعن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك “. رواه البخاري (5626)، ومسلم (2548).
وأكرمها بنتا: فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن دخل الجنة. رواه ابن حبان في صحيحه (2 / 190).
وأكرمها زوجة: فعن عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي (3895) وحسَّنه.
وأعطى الإسلام المرأة حقها من الميراث وغيره، وجعل لها حقا كالرجل في شؤون كثيرة قال عليه الصلاة والسلام: النساء شقائق الرجال . رواه أبو داود في سننه (236) من حديث عائشة وصححه الألباني في صحيح أبي داود (216).
دور أفراد الأسرة المسلمة
أوصى الإسلام بالزوجة، وأعطى المرأة حرية اختيار الزوج وجعل عليها جزءا كبيرا من المسؤولية في تربية الأبناء.
وجعل الإسلام على الأب والأم مسؤولية عظيمة في تربية أبنائهم: فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته. قال: فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (853)، ومسلم (1829).
حرص الإسلام على غرس مبدأ التقدير والاحترام للآباء والأمهات والقيام برعايتهم وطاعة أمرهم إلى الممات :
قال الله سبحانه وتعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما الإسراء/23.
وحمى الإسلام الأسرة في عرضها وعفتها وطهارتها ونسبها فشجع على الزواج ومنع من الاختلاط بين الرجال والنساء.
وجعل لكل فرد من أفراد الأسرة دورا مهما فالآباء والأمهات الرعاية والتربية الإسلامية والأبناء السمع والطاعة وحفظ حقوق الآباء والأمهات على أساس المحبة والتعظيم، وأكبر شاهد على هذا التماسك الأسري الذي شهد به حتى الأعداء.
مراجع المقال:
1- عبد الوهاب الأفندي. (2 فبراير 2016). أسئلة في رأس المال الاجتماعي وعلاقته بالمجتمع المدني، محاضرة في معهد الدوحة للدراسات العليا، الدوحة، قطر.
2- فرانسيس فوكوياما. (1998). الثقة "الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار"، ترجمة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث، ط1، مركز الإمارات للدراسات والبحوث، أبوظبي، الإمارات.
3- نادية أبو زاهر. (2013). دور النخبة السياسية الفلسطينية في تكوين رأس المال الاجتماعي، ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت.
4- Robert D. Putnam. (1995). "Bowling Alone, "Journal of Democracy, Vol.6.
5- Putnam, "Social Capital in the Creation of Human Capital.
عربي بوست
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/05 الساعة 14:13