هل يستحق الثعلب حقاً أن نطلق عليه لقب مكار؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/05 الساعة 13:24
مدار الساعة - تلتصق صفة المكر بالثعالب في جميع الثقافات، فلا بد وأنه قد قصّ عليكم في مرحلة الطفولة حكاية الثعلب المكار الذي ينتهز الفرص للانقضاض على المزارع وتصيد الدجاجات، كذلك في الثقافة الأوروبية تنتشر العديد من القصص عن 'الثعلب رينارد' الذي يُعرف بمكره واحتياله، لكن هل يستحق الثعلب هذه الصفة حقاً أم أنه بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب؟
هل الثعلب مكار حقاً؟
هناك الكثير من الحيوانات اللاحمة والمفترسة في الغابة، وبعضها يعتمد طرقاً ذكية للصيد، لكن لا شك أن للثعالب مواهب فطرية ووسائل خاصة للغاية تجعل منها محترفة في اصطياد الفرائس، فهي لا تصطاد بشكل عشوائي إنما تفكر بطريقة استراتيجية لضمان الحصول على طعامها.
كذلك، لطالما كانت الثعالب عدوة لدودة للمزارعين الذين يستيقظون عادةً ليجدوا دجاجاتهم قد تعرضت لهجوم من أحد الثعالب، وعادةً ما تحفر الثعالب أوكارها تحت الأرض أو في أماكن خفية، وربما كان كل ذلك سبباً للصق تهمة المكر بها.
إليكم بعض الخصائص التي تتميز بها الثعالب وتجعل منها كائنات ذكية للغاية، ربما اتهمت ظلماً بالمكر والاحتيال:
الثعلب صياد منفرد
على عكس أقاربهم الذئاب، لا تفضل الثعالب الصيد في مجموعات الأمر الذي يتيح لها مزيداً من الفرص وتركيزاً أكبر على الفرائس.
ليس هذا فحسب بل يتفرد كل ثعلب أيضاً بمجال صيد خاص به ولا يسمح للثعالب الأخرى باقتحامه، وقد تتراوح مساحة هذا المجال ما بين 1 إلى 5 أميال مربعة. ويؤسس كل ثعلب في مساحته الخاصة عدة أوكار وجحور قد يستخدمها كمأوى له أو لتخزين الطعام الإضافي وفقاً لموقع Sciencing.
ويقوم الثعلب بدوريات مستمرة في أرضه بحثاً عن الطعام، ويستخدم بوله لتحديد الأماكن التي انتهى من البحث فيها، إذ يستدل من رائحة البول على أن هذا المكان قد تم تمشيطه مسبقاً بحثاً عن الطعام.
حواس لا تخطئ
يمتلك الثعلب حاسة بصر وشم وسمع قوية للغاية تليق بصياد مخضرم.
إذ تتمتع الثعالب بحاسة شم قوية للغاية، لذلك فهي قادرة على العثور على جثث من الماشية المتوفاة والمدفونة تحت الأرض أو تحت الثلوج.
كذلك ترى الثعالب جيداً في الضوء الخافت ولديها مجال رؤية أوسع من البشر، وتبلغ زاوية رؤية الثعلب 200 درجة مقارنة بالبشر الذين يستطيعون الرؤية بنطاق 180 درجة.
وتحتوي أعين الثعالب على ستة إلى ثمانية أضعاف الخلايا العصوية، وهي أكثر حساسية للضوء المنخفض من البشر.
أما فيما يخص حاسة السمع الضرورية للغاية في تحديد مكان الفريسة، فأذن الثعلب حساسة جداً للأصوات منخفضة التردد مثل أصوات الحفيف التي تصدرها الفريسة، إذ ترى الثعالب فرائسها بآذانها قبل عيونها. وتستخدم الثعالب أيضاً سمعها المرهف للتواصل مع الثعالب الأخرى لمسافات طويلة أو قصيرة، وفقاً لما ورد في موقع North American Nature.
يستشعر المجال المغناطيسي للأرض
يقفز الثعلب في الهواء وينقض على فريسته من الأعلى، هذه هي التقنية التي تساعده في إحكام قبضته على فريسته، لكن كيف يستطيع تحديد موقع فريسته بدقة؟
لا يضطر الثعلب إلى رؤية فريسته كي يحدد مكانها بدقة وينقضّ عليها قبل أن تتمكن من الهرب، ويعتقد العلماء أنه يستطيع استشعار المجال المغناطيسي للأرض واستخدامه لتحديد موقع فريسته تحديداً، بمعنى آخر يمتلك الثعلب بوصلة تمكنه من تحديد الاتجاهات.
قضى فريق من علماء الأحياء البرية في جمهورية التشيك أكثر من عامين في دراسة الثعالب الحمراء البرية، ولاحظوا قرابة 600 قفزة قام بها 84 ثعلباً لصيد فرائسهم، ووجدوا أن الثعالب تفضل القفز باتجاه الشمال الشرقي أي على بعد حوالي 20 درجة من الشمال المغناطيسي.
وكانت هجمات الثعالب أكثر نجاحاً في حال كانت باتجاه الشمال الشرقي، فقد كانت نسبة 73% من هجماتهم ناجحة في هذا الاتجاه.
واستنتج العلماء من ذلك أن الثعالب تستطيع استخدام المجال المغناطيسي للأرض باعتباره أداة تحديد المدى لتقدير المسافة التي تفصله عن فريسته والقفز فوقها بشكل أكثر دقة.
كيف يفعل ذلك؟ وفقاً للعلماء، يميل المجال المغناطيسي للأرض للأسفل في نصف الكرة الشمالي بزاوية 60-70 درجة تحت الأفقي. وبينما يزحف الثعلب للأمام، فإنه يستمع إلى صوت الفريسة، ويبحث عن بقعة بحيث تتطابق زاوية الصوت الذي يصطدم بأذنيه مع منحدر المجال المغناطيسي للأرض. في تلك البقعة، يعرف الثعلب أنه يبعد مسافة ثابتة عن فريسته، ويستطيع تحديد المسافة التي يجب أن يقفزها للهبوط فوق الفريسة بالضبط.
وبفضل هذه الخاصية يستطيع الثعلب تحديد موقع فريسته دون أن يراها حتى لو كانت متخفية وراء الأعشاب الطويلة أو تحت الثلوج.
من الجدير بالذكر أن هناك كائنات أخرى تمتلك خاصية استشعار المجال المغناطيسي للأرض مثل الطيور وأسماك القرش على سبيل المثال، وتساعد هذه الخاصية الحيوانات المهاجرة في العثور على طريقها خاصة عندما تكون الرؤية ضعيفة في الجو أو تحت المياه.
لكن إذا كانت استنتاجات العلماء صحيحة، سيكون الثعلب هو الحيوان الوحيد الذي يستخدم المجال المغناطيسي للصيد وتقدير المسافات، وفقاً لما ورد في موقع National Geographic.
رمز مقدس
لم تنظر جميع الحضارات إلى الثعلب على أنه حيوان ماكر على مر العصور، بل كان رمزاً مقدساً في العديد من أساطير بلاد ما بين النهرين القديمة وفي قصص عديدة من الفولكلور الأوروبي والشرقي.
كانت الثعالب تعتبر من بين الحيوانات المقدسة في بعض الثقافات تقديراً لذكائها وحكمتها.
فقد اعتقد السلتيون أن الثعالب هي التي تفهم الغابات عن كثب، كذلك اعتقدوا أن الثعالب ترشد الأرواح التائهة في عالم الأرواح.
وفي أساطير بلاد ما بين النهرين القديمة، كان الثعلب بمثابة رسول إلهي للآلهة.
وفي الثقافات الصينية واليابانية والكورية صوّر الفولكلور الثعلب على أنه روح قوية جداً ولكنها مؤذية ومكارة للغاية، وغالباً ما تتخذ الثعالب شكل أنثى بشرية لإغراء الرجال والإيقاع بهم. بينما في فولكلور الهنود الحمر، تعتبر القبائل الشمالية الثعلب رسولاً حكيماً ونبيلاً للإله.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/05 الساعة 13:24