الغاز الروسي في الصراع الأوكراني... تهديد مؤقت أم خطر داهم

مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/02 الساعة 14:22
مدار الساعة - تصدرت أخبار التوتر بسبب أوكرانيا العناوين في الفترة الماضية، ولم يخلُ الأمر من تلويحات وتهديدات بعقوبات، وتلويحات وتهديدات مضادة. ومنذ أسبوع، اجتمع مسؤولون رفيعو المستوى في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل لوضع تصورات لما لا يمكن تصوره، ماذا سيحدث لأوروبا إذا أوقفت روسيا تدفق الغاز الطبيعي إلى الغرب؟. وتشتري أوروبا كل يوم ما يقرب من 40% من استهلاكها من الغاز من غازبروم العملاقة الروسية. وفي 1968 ، أصبحت النمسا أول دولة في أوروبا الغربية توقع عقدًا لشراء الغاز الروسي. ومنذ ذلك الوقت، صمدت تجارة الغاز في وجه مختلف الاضطرابات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. لكن المحلل الاقتصادي خافيير بلاس، لفت في مقال رأي لوكالة بلومبرغ للأنباء، إلى أن خطر اندلاع صراع عسكري في أوكرانيا حول الغاز الطبيعي إلى سلاحٍ للاضطراب الشامل. تراجعت تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل حاد بالمقارنة مع ما كانت عليه في الماضي، وفي بعض الأحيان وصل التراجع لنحو 30% من متوسط التدفقات في الأعوام الخمسة الماضية. وتصر غازبروم على أنها تفي بالعقود طويلة الأجل مع الجهات الأوروبية. وجنت الشركة في العام الماضي 1.8 تريليون روبل (23.2 مليار دولار) من مبيعاتها لأوروبا، أي نحو 10% من إجمالي صادرات روسيا، وفق صندوق النقد الدولي. إلا أن الواقع يقول إن غازبروم خرجت عن المعتاد، ولم تملأ منشآت التخزين الأوروبية. كما أنها لم تعد تبيع غازاً إضافياً عبر السوق الفورية. وتراجعت مخزونات الغاز الأوروبية إلى أقل من 40% من السعة المتاحة، أدنى مستوى على الإطلاق في مثل هذا الوقت من العام. وقد نجا الأوروبيون من براثن أزمة حادة للغاز بفضل الطقس المعتدل على غير المعتاد هذا الشتاء حتى الآن. وأشار بلاس إلى سيناريوهين رئيسيين، الأول يمكن احتواؤه، بينما الثاني كارثي. إذا غزت روسيا أوكرانيا، قد يتعطل الغاز بسبب الأعمال العسكرية بطريقة أو بأخرى، ربما حتى بطريق الخطأ إذا ضربت خطوط الأنابيب أو غيرها من البنى التحتية. ولكن إذا كانت العملية خاطفة وحققت موسكو أهدافها بسرعة، فقد تكون أوروبا قادرة على تحمل حتى الأضرار المادية التي تلحق بخطوط الأنابيب في أوكرانيا. وفي هذا السيناريو، لفت الكاتب إلى أن الطرق الجديدة لنقل الغاز أدت إلى تقليل أهمية أوكرانيا. فقبل عقدين من الزمن، كانت أوكرانيا نقطةً لعبور نحو 125 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا. إلا أن التدفقات تراجعت في العام الماضي 65% إلى أقل من 42 مليار متر مكعب. وهذه الكمية لا تزال كبيرة بالفعل، لكنها لم تعد كما كانت. وأوضح أن أوكرانيا لم تعد نقطة عبور رئيسية للغاز الروسي إلى ألمانيا وست دول أخرى. واليوم هي مهمة فقط لسلوفاكيا، والنمسا، وإيطاليا. وبهذا، تكون أوروبا في وضع أفضل بكثير اليوم ويمكنها تحمل الأمر إذا توقف الغاز عبر أوكرانيا فقط، ولفترة محدودة، يمكن أن تتعامل أوروبا مع وقف التدفق عبر أوكرانيا بزيادة الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المسال، وسحب المزيد من المخزون. وبطبيعة الحال، إذا ظل الطقس معتدلاً، فسيكون الطلب عند معدلات أقل. ويفترض هذا الطرح أن تعيد موسكو توجيه الإمدادات بعيداً عن أوكرانيا باستخدام خطوط أنابيب أخرى، وأن تواصل إرسال الغاز إلى أوروبا. إلا أن فرضية الوقف الكامل للإمدادات في القارة أمر مختلف تماماً. ولفت بلاس إلى أنه عندما بحثت الجهات التنظيمية في أوروبا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الاضطرابات المحتملة لإمدادات الغاز، حللوا 19 سيناريو مع مختلف الاحتمالات. إلا أنهم لم يفكروا في ما قد يحدث إذا توقفت التدفقات الروسية كلياً. لماذا؟ لأنه ليس سيناريو غير مقبول، وفعلياً، لأنه لا توجد حلول بديلة. وإذا حدث ذلك، فإن القارة لن تجد سبيلاً يحميها من تداعيات اقتصادية لا يمكن تصورها وتعطل واسع للأنشطة. ويقول دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون إنهم يطرقون جميع الأبواب للحصول على إمدادات غاز إضافية. وسيؤدي هذا بالطبع لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير لدرجة أن بعض الدول النامية في آسيا مثل باكستان، وبنغلاديش، لن تكون قادرة على شرائه. وسيؤدي تحويل الشحنات إلى أوروبا إلى شح في آسيا. وبعد كل هذا، لن نستطيع أوروبا إلا تأمين ما يعادل ثلثي الإمدادات الروسية، على أفضل تقدير. ولفت بلاس إلى أن أوروبا قد تواجه تحدياً أكثر صعوبة وهو ضخ هذا الغاز المسال في نظام التوزيع عبر القارة. وتوجد ثُلث القدرة الأوروبية لتغييز الغاز المسال في إسبانيا، التي لا يوجد فيها إلا خط أنابيب صغير يربطها ببقية القارة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في ألمانيا مصنع واحد لإعادة تسييل الغاز. وفي حالة الوقف الكامل، سترتفع أسعار الغاز بشكل كبير، يجعل اعتبار الارتفاعات القياسية التي سُجلت في ديسمبر (كانون الأول) أمراً بسيطاً. وقد يصل الارتفاع إلى خمسة أو حتى عشرة أضعاف. وبالطبع لا ترغب أوروبا في ذلك، ولكن هل يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟. وكتب بلاس 'أشك في هذا. فالرئيس الروسي يفضل أن تبقى أوروبا مرتبطة اقتصادياً بالغاز الروسي إلى الأبد. وبالنسبة لموسكو، تعني السيطرة على الصمامات، التأثير الجيوسياسي في أوروبا، والتلويح بإيقاف الغاز يخدم أغراض الكرملين أكثر عندما يظل في خانة التهديد وليس واقعاً. والغاز يمكن أن يلعب نفس الدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في الحروب التقليدية، التدمير المتبادل المؤكد. وإذا اختارت روسيا استخدام الغاز سلاحاً، فإن أوروبا ستقلب الدنيا رأساً على عقب في السنوات المقبلة لضمان منع الاعتماد مرة أخرى على غازبروم للحصول على أي غاز. ولهذا سيظل بوتين يلوح باستخدام الغاز بشكل طفيف مثل سلاح وسيقيد الإمدادات، ولكنه لن يقطعها'. وأضاف 'هذا مصدر نفوذه، وإذا ذهب بوتين بعيداً في استغلال الغاز، فسيكون مستقبل روسيا نفسها في خطر. فالغاز سلاح تكمن فعاليته في تجنب استخدامه مطلقاً'.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/02/02 الساعة 14:22