الملك وصداع الواقع
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/31 الساعة 01:40
يدلف جلالة الملك عبدالله الثاني عتبة الستين عاما، هذه بداية مباركة لمرحلة جديدة من العمر..
ورغم استطاعته في العشرين سنة الماضية التفوق المشهود بإدارة المشهد الشرق الأوسطي من خلال علاقاته المتينة مع الإدارات الأميركية والأوروبية وحتى الشرق آسيوية، فإن الهنات التي تدخل من باب الحسد السياسي لم تثنه عن التعامل الواضح والصريح مع محيطه العربي.
هنا لا يحتاج الملك الى من يكتب عنه، بل يريد من يكتب معه، ليساعد في الوصول الى فهم حقيقي وواقعي لوضع حلول مستدامة لمستقبل المملكة، فقد أمضى السنوات الطويلة في ورشة عمل مفتوحة، إذ انخرط في غالبية القطاعات، سياسية واقتصادية وتنموية وعسكرية ومتابعات لإجراءات الحكومات التي عمل بعضها على أرض الواقع وبعضها كان خارج نطاق الخدمة، ما اضطر الملك احيانا الى أخذ المبادرة والقيادة من الخلف لإعادة تصحيح ما يمكن تصحيحه نتيجة تقصير ما في عمل الحكومات والمسؤولين، حتى ابتلينا بجائحة كورونا وما تسببت بتراجع النمو الاقتصادي، حيث أدار المشهد باحترافية عسكرية قبل أن يخرج المسؤولون من مكاتبهم.
الملك يدرك أن العمل بالآليات القديمة لم يعد يجدي نفعا، وهو يقول لنا دوما: «إن التغيير يجب أن يكون الى الأفضل وأن المسؤولية المشتركة لنا جميعا تعني قيام المسؤولين بواجبهم على أعلى مستوى لا أن يرموا بالمسؤولية على «فوق»، مع اعتزازنا بأن نخدم المواطنين بكل ما نستطيعه»، ولكن من وجهة نظر المواطنين الذين نؤيدهم في كثير من تعليقاتهم فإن غالبية المسؤولين الحكوميين لا يقومون بالواجبات الموكولة إليهم، وهذا يؤدي الى نتيجة سلبية تنعكس على المشهد الأكبر ما يترك الأحمال الثقيلة على عاتق الملك ليعالجها بطريقته، حتى بتنا نرى أي مشكلة مهما كانت بسيطة ينادي بها المواطنون للملك كي يحلها، وهذه ليست من اختصاصه.
الملك في ذكرى ميلاده الستين استبق العام الجديد بنظرة الى المستقبل السياسي للدولة الأردنية، حيث وجه من خلال اللجنة الملكية للتحديث السياسي ما قد رأيناه من تعديلات دستورية لغايات التقدم نحو المستقبل الذي هو في علم الله، ولكن أحدث ذلك هبوب رياح التغيير المرجو منه وقف تنازع الصلاحيات أو العكس كتداخلها ما بين الجهات الرسمية، ولهذا فإن أي تجديد يجب أن يرافقه تغيير لقواعد التعامل القديمة التي استهلكتها ثماني حكومات سابقة، في ظل مديونية عالية وبطء في روافع الاقتصاد وتعقيد في الإجراءات، وزد على ذلك مجالس نيابية تقوقعت في دائرة الخدمات لا التشريعات.
إن متابعة الأوضاع في العالم العربي والتعاطي مع مشاكل الحدود والدول التي أبرحتها الصراعات والحروب، ومراوحة الوضع على الساحة الفلسطينية من رام الله الى غزة، يقابلهم معسكر يميني متطرف في تل أبيب وجيش احتلال يقتحم المقدسات في أي وقت ويقتل الفلسطينيين العزل برمشة عين، تشكل صداعا للملك الذي يجلس أمام أطول حدود مع دولة الاحتلال وحوله حدود ملتهبة وصراعات خفية ومكشوفة، فيما العلاقات بين تل أبيب وعواصم عربية بدأت بالتمدد.
في التاريخ حكم الملك عبدالله الأول ثلاثين عاماً، وحكم الملك الحسين سبعة وأربعين عاماً في صراع مرير داخلي وخارجي، واليوم تستمر الدولة بقيادة الملك عبدالله باثنين وعشرين عاماً في سباق مع زمن التغيير والانفتاح العالمي وسقوط جدران علاقات كانت منيعة واستبدال قواعد الوجود بقواعد فتح الأجواء للطيران دون أعداء، وتراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، وبرود العلاقات العربية ورغم كل هذا فإن ثقتنا بالله أن يحفظ ويرزق هذا البلد الذي حوى ثلث سكانه من اللاجئين كمواطنين، وستبقى عمّان هي مربط الفرس وسرج الفارس، وسيبقى الأردنيون هم حصان الرهان.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/31 الساعة 01:40