هل تُشعِل واشنطن.. «برميل البارود» في «تايوان»؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/31 الساعة 01:27
رغم الغموض الذي يكتنف مشهد الأزمة الأوكرانية, المشحون والمحمول على توتّر شديد ومُتدحرج, ما ينذر باحتملات الانزلاق إلى مواجهة عسكرية ليست شاملة بالضرورة, بقدر ما تُشبه عملية جراحية خاطفة وسريعة, تروم موسكو من ورائها إغلاق منافذ أوكرانيا إلى البحر الأسود عبر السيطرة على ميناء أوديسا وشلّ الأسطول الأوكراني, حال هاجمتْ كييف إقليم دونباس, إذ رصدَ المدافعون عن دونيتسك ولوغانسك وجوداً مُتزايداً لقوات شركات أمنية/عسكرية أميركية خاصة. وربما لجأ مقاتلو الجمهوريّتين/المُعلنتيْن من طرف واحد, للاستيلاء على آخر مدينة أوكرانية مُطلّة على بحر آزوف وهي «ماريوبول', لإغلاقه تماماً أمام الأسطول الأوكراني.
في وقت استكملت فيه موسكو إرسال 12 منظومة صواريخ مضادة للطائرات من طراز بانتسير المطوّرة إلى بيلاروسيا, للمشاركة في المناورات المشتركة بين البلدين الشهر المقبل/شباط, وهو ما سارعَت واشنطن للتحذير منه والزعم بأن روسيا تريد فتح جبهة جديدة في شمال أوكرانيا, عند اجتياحها «الوشيك» لها.
نقول: رغم أنّ أنظار العالم مشدودة إلى الأزمة الأوكرانية، قفزت إلى صدارة الأنباء الدولية «أزمة تايوان» خاصة بعد التحذيرات غير المسبوقة في شدّتها/جدّيّتها التي أطلقها السفير الصيني في الولايات المتّحدة, بعد اللقاء الذي جمع نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس بنائب رئيسة تايوان في عاصمة السلفادور على هامش مشاركتهما حفل تنصيب الرئيسة السلفادورية الجديدة..
السفير الصيني في واشنطن تشين غانغ «رجّح» انخراط الصين والولايات المتّحدة في «صراع عسكري» إذا استمرّت السلطات التايوانية بتشجيع من الولايات المتّحدة في السير على طريق الاستقلال، مُعتبراً أنّ تايوان هي «أكبر برميل بارود» حالياً, في ظلّ وجود عدد من القضايا التي تضغط على العلاقات بين الولايات المتّحدة والصين..ما لفت أنظار المراقبين إن لجهة استمرار التوتر في علاقات البلدين, التي وصلت ذروة التأزم في عهد ترمب وواصلت إدارة بايدن التصعيد بدل التبريد، خاصّة في تسليح تايوان والإستعداد لتقديم الدعم العسكري, بل المشاركة في الدفاع عنها في مواجهة أي اجتياح صيني لها، أم لجهة إقامة التحالفات ذات الطابع العسكري مع دول المنطقة, التي تُنازع الصين السيادة في بحر الصين الجنوبي, مثل حلف «أوكوس» مع أستراليا وبريطانيا، كذلك تحالف فيتنام واليابان واستراليا, والفلبين وأستراليا.
فهل باتَ «مسرح» الأزمة التايوانية جاهزاً.. لتصعيد عسكري؟
ليس ثمّة ما يوحي -حتّى الآن- بأنّ استعدادات تجري في هذا الاتّجاه, رغم ما تقوله تايوان عن تواصل الطلعات الجوية المُكثفة للمقاتلات الصينية في الأجواء التايوانية بأعداد غير مسبوقة. وأيضاً رغم ما تزود واشنطن تايوان من أسلحة ومنظومات دفاع جوي وطائرات مقاتلة وبصفقات مليارية، ناهيك عن أنّ الصين تستعدّ خلال الأسبوع المقبل/ بدءاً من 4 شباط الوشيك لافتتاح دورة الألعاب الأولمبية/الشتوية، وهي دورة تثير غضباً أميركياً/وأوروبياً تمثّل في مقاطعة الولايات المتّحدة وبريطانيا، كما كندا وأستراليا «دبلوماسياً» هذه الدورة، فيما يُشارك الرئيس الروسي بوتين شخصياً فيها (كما فعل في دورة الألعاب الأولمبية في الصين أيضاً العام 2008، ذلك العام الذي شهد «للمفارَقة» أحداث جورجيا, ودعم روسيا لإقليمَيّ أُوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللذيْن أعلنا استقلالهما عن جورجيا).
ولئن أكدّ السفير الصيني أنّ بلاده لن تتخلّى عن الوسائل (غير السِلمية) لإعادة توحيد تايوان مع الصين، نظراً إلى أنّ الولايات المتّحدة تدعم تايوان لتحقيق استقلالها في مواجهة الصين، فإنّ الموقف المُتذبذب الذي تقفه إدارة بايدن تجاه هذه المسألة, والتي تمثّلت في «زلات لسان» عديدة وقع فيها الرئيس الأميركي, ما لبث أن تراجعَ عنها عندما (على سبيل المثال) أكّد دعمه قبول تايوان في الأمم المتّحدة كـ'دولة مستقلّة»، وذات زلّة قال أنّ واشنطن مستعدة للدفاع عنها عسكرياً والدخول في حرب من أجل استقلالها (ثمّ تراجَع), مؤكّداً التزامه مبدأ «صين واحدة» الذي أسّس لعلاقات طبيعية بين واشنطن/وبيجين، إلّا أنّ إصرار الرئيسة التايوانية الحالية/تساي إنغ ون (في سدة الرئاسة منذ ستّ سنوات), وحزبها (الديمقراطي التقدمي) على استقلال الجزيرة استناداً إلى الدعم الأميركي (أيّاً كان «حزب» ساكن البيت الأبيض)..لا يسمح بتبريد العلاقات الأميركية الصينية، في وقتٍ يدرك الصينيون قبل غيرهم أنّ مسألة «تايوان» تتقدم كثيراً في أهميتها على أوكرانيا (رغم المخاوف بتدحرج المواجهة في أوكرانيا إذا ما اندلعت إلى حرب عالمية ثالثة), خاصّة في ضوء الحشد المهول الذي تستند إليه واشنطن في معرض تجييشها/وتحريضها ضدّ روسيا, ورفض مطالبها بضمانات أمنية، ما بالك لو باتت تايوان هي مسرح المواجهة أو «برميل البارود الكبير» وفق تعبير السفير الصيني/لدى واشنطن؟.
اشتعال جبهة تايوان يبدو مُؤجلاً هذه الفترة، ليس فقط لتمرير دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، بل وأيضاً لمعرفة مآلات الأزمة الأوكرانية التي تُراقبها الصين عن كثب لأنّها ستكشف ضمن أمور أخرى, مدى وطبيعة الإجراءات الأميركية لمعالجتها..إن سلماً أم حرباً.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/31 الساعة 01:27