المومني يكتب: صاحب الوقار

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/29 الساعة 23:52
أريد أن اتحدث بعفوية.. بعيدا عن التوظيف وبعيدا عن السياسة.. سأتحدث بشكل صادق وبما يكنه الضمير.. حديث القلب مما شاهدته وسمعته ووجدته.. فلا يبقى من الحياة سوى الذكريات فهنيئا لمن قدم الخير.. اشتعل رأس ملكنا شيبا وبلغ الستين.. لا أدري كيف سيحتفل.. لربما هو الآن في مكتبه يقرأ في الموجز الأمني اليومي، ويضع عليه ملاحظاته.. أنا متأكد أن ملف (الثلجة) حاضر على مكتبه، يقرأ ويبحث حوله ويتلمس وهو لا يشيح عن التقرير ويشاهد إبداعات الأردنيين ولعبهم في الثلج، ويبتسم وربما يضحك ومن ثم يرفع سماعة الهاتف ليتصل برئيس الوزراء ويسأل عن أسباب انقطاع الكهرباء، ويطمئن فيما إذا أعيدت.. هنالك ملف آخر عن قائمة اشخاص يحتاجون إلى المساعدة.. يرفع سماعة الهاتف على رئيس الديوان (معالي أبو حسن رح أبعثلك قائمة.. مشيها بسرعة لو سمحت..) ملكنا مؤدب جدا.. من النادر أن يغضب أو يسمع أحدهم كلاما قاسيا.. قد يكون المشهد أعلاه من وحي خيالي وقد يكون حصل بالفعل.. لا أدري.. لكن وبحكم الاحتكاك خلال الشهور الماضية بالحلقات القريبة واللصيقة بالملك، كنت أسمع منهم ما يدور في الداخل.. فهكذا يقوم الملك بمتابعة شؤون الاردنيين.. أحدهم قال لي إنه يتصرف كالأب الذي يدخل إلى البيت ويتفقد احتياجاته بنفسه، ولا ينتظر تقارير لتصله فهو يسأل عن كل شيء.. أكثر ما يسأل عنه هو ما يهم الناس من غذاء وتوافر المواد الأساسية بأسعار في متناول يد عموم الناس.. في أحد الأيام تدخل شخصيا لضبط سعر الخضار، وكان الجميع يحاول أن يبرر له أسباب ارتفاع سعر البندورة (الصقيع سيدي..)! أبلغني أحدهم بأن شيبات الملك تخفي الكثير من الهموم.. لقد واجه أوضاعا صعبة جدا أيام ترمب.. كان يقاتل منفردا وانقلب عليه حلفاؤه وكان الشارع يغلي.. أكثر ما يقلقه هو الوضع الاقتصادي للناس.. هذا همه الكبير ويحاول بأي طريقة أن يوفر للأردن احتياجات الأدوية ومخزوناً استراتيجياً من القمح واستدامة الطاقة.. ثم هنالك المكتب العسكري، والعسكرية الأردنية قصة كبيرة يتوجب أن تروى، فهو يسأل بالاسم عن رفاق السلاح.. هنالك المكتب الأمني ومعلومات خارجية حساسة.. هنالك مجلس السياسات.. هنالك الأزمات.. هنالك التقييم الأسبوعي والشهري ناهيكم عن التقارير اليومية.. وابو حسين يتابع بنفسه أدق التفاصيل.. في إحدى المرات غضب بسبب استخدام القوة في قمع تجمع للشباب وقال (حقهم يحكوا طلعوا الموقوفين فورا..) وتواصل (الديوان) مع بعضهم للاطمئنان على الشباب.. يعتبر الشباب الأردني حالة مقدسة ويتذكر ابنه الحسين ويطلب الخطط لمتابعة شؤون البطالة والتشغيل أصبح هما انتج الشيب كغيره.. الملك كما يعرف من خدم بمعيته يسأل بالاسم عن القرية الفلانية، وماذا حصل في توصيل المياه.. في أحد الأيام وصل من خارج البلاد وتفاجأ الجميع أنه غير خط سير الموكب من المطار إلى القصر ليتوجه جنوبا نحو قرية ليحل مشكلة كلف بها الجيش للتعامل معها فهي لم تصلها المياه منذ شهر!.. يتفاجأ مكتبه بعض الأحيان من الاسئلة المحرجة.. هذه حقائق.. في أحد الأيام طلبت مني شخصية وازنة في جهة مرجعية تقييما تحليليا حول (كيف يفكر الملك.. اتجاهاته) قمت بتقديم موجز في ربع ساعة حول كيف يفكر الملك وما الذي يريده.. قال لي (معقول هيك بفكر!؟).. أجبته (لننتظر ونرى أتوقع أنه يفكر بهذه الطريقة..) لم تمض أيام إلا وقد أطلق أوراقا نقاشية كشفت المستور فعاد إلي نفس الشخص مذهولا وقال لي (كيف عرفت هل لديك اتصال أو معلومات مسبقة!؟) فاقسمت له بعدم وجود شيء من هذا القبيل لكن المتابع الجيد للقرارات والخطابات وكيف يتصرف الملك مع الناس، وكيف ينزل إلى الشارع وكيف يتعامل ببساطة وعفوية يشي بالكثير.. الملك منحاز للأردنيين ويجنح بقوة إلى الجانب الضعيف ويحب الناس بصدق.. لا زلت أتذكر كيف نزل من سيارته يوما لدفع سيارة أردني (غرزت بالثلج).. يا صاحب الوقار.. بدون حسابات.. أخي الكبير أبو حسين سيدنا وكلنا اخوتك وابناؤك وأسرتك.. تحية من القلب إلى القلب... الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/29 الساعة 23:52