القضاة يكتب: الأحزاب السياسية نظرة مستقبلية
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/25 الساعة 11:52
مدار الساعة - كتب علي القضاة
الدكتور: علي منعم القضاة
حديث خرافة عن الحزبية
أعتقد أن نقاشي هنا ربما سيكون من علامات الساعة، مناقشة حياة حزبية برامجية في الأردن، سيقودها الذين أوصلوا الأردن إلى ما نحن فيه، من حياة تشرذم، وبعثرة، وأنا أناقش أن أناقش وجهة نظر رئيس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، الذي يأمل تحقيق حلم حياة حزبية برامجية حقيقية، ولكنني أعتقد أن قيام الساعة أقرب من وجود برامج حزبية.
دكتاتوريات حزبية
إن الناظر في حال العالم العربي الحزبية يعلم علم اليقين أنه لا توجد أحزاب سياسية بمفهوم الأحزاب البرامجية، وإنما يوجد دكتاتوريات بمسمى حزبي منتشرة في كل أنحاء العالم العربي. فلم تقدم تلك الأحزاب السياسية صورة ناصعة، ولا حتى بيضاء، بل قدمت لنا نماذج فقيرة جداً في العمل، أو الانتماء الحزبي.
وكذلك هو حال معظم الأحزاب الأردنية. هذه هي حال الأحزاب التي من المفترض أن تكون برامجية، وتتنافس في ميدان التنافس الحر الشريف، ولكن المرايا تعكس لنا واقعا مريراً عن التاريخ الحزبي في الوطن العربي، دون استثناء.
تراوحت علاقة الأحزاب الأردنية مع الحكومة منذ عهد الاستقلال وحتى تاريخه بين مد وجزر، حتى عام 1989، وقتها سمحت الحكومة بانتخابات حرة ومباشرة، لم تتكرر، ولن تتكرر بدرجة النزاهة نفسها، لأنها كانت مسباراً لغور القاعدة الحزبية في الأردن، وتأسيس قاعدة لسن قوانين أحزاب سياسية مشوهة الخِلْقَة.
خلع ولادة سياسي
أسس بنيان الأحزاب السياسية الجديدة في الأردن على جرفٍ هارٍ فانهار بهم فيما بعد، وقد ولدت أحزاب سياسية هزيلة على الساحة الأردنية، ما زالت تعاني من ضعف عام، وقلة خبرة سياسية، لأنها ولدت أحزاباً مبعثرة دون خطط، أو تخطيط، أو برامج سياسية، ولدت ومعها خلع ولادة سياسي، ما زالت تعاني منه جميع الأحزاب السياسية. ولن تنفعها كل الجراحات التجميلية، ولا للقوانين السياسية المتلاحقة، بل زادت الأمر غموضاً، وزادت الأحزاب تعثراً.
قوانين أنتجت لنا نشاطات سياسية جديدة، ولا أقول أحزاب؛ قام بها قدامى الساسة الذين يحملون أفكاراً وأيديولوجيات سياسية لها امتدادات خارجية، ممن جُمدت أحزابهم أعادوا تشكيلها من جديد، دون فهم حقيقي لروح الديمقراطية، ولا نضج كامل لتفهم الآخر، ولا إيمان بأنه يوجد شيء أسمه الرأي الآخر، ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان أن نصنف حزباً سياسياً على أنه حزب برامجي ناضج.
وجهة نظر في حقوق الإنسان الأردني
ربما يكون هذا النقاش من قبيل ممارسة حقوق الإنسان ولو صورياً في بلدي، وأرجو أن لا يتسبب النقاش السياسي في مساءلة قانونية، فقد طرح الدكتور رحيل وجهة نظر تحترم حول تحزب كبار رجالات الدولة، وأصحاب المناصب، وكبار المتقاعدين؛ مدنيين وعسكريين؛ ولكنني أرى أن تحزبهم أمرٌ غير محبب على الإطلاق، من عدة جوانب:
أولاً: ليس في انضمامهم أي تشجيع للشباب؛ بل ربما سيؤدي وجودهم إلى عزوف أكبر من ذي قبل؛ لأن هموم الشباب، هم سبب رئيس فيها، وفي عدم انخراطهم بأحزاب سياسية أشبه ما تكون بأشجار الزينة، ألوان مختلفة دون طعم، أو رائحة، تماماً مثل فوكه البلاستيك، لن تستفيد إلا من صورة سيلفي بجانبها.
ثانياً: ستزيد الهواجس وتخوفات في الصدور، ولن تزول أي منها؛ لأن الممارسات القديمة ما زالت قائمة، حتى لو أن حجمها أقل بكثير وغير ملموس مثل ذي قبل. وأن بعض الناس يمنعون من أعمال بعينها لمجرد اتهامهم بالانتماء الحزبي، وهو اتهام لا أساس له من الصحة، ومنهم صاحب هذه السطور، التي تقرئون، ورئيس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، يعلم ذلك.
ثالثاً: إن وجود مثل هذه النخب على رأس الهرم في أحزاب جديدة؛ سيكون بكل تأكيد التفافاً على الحزبية، واحتواءً للبرامجية، وإقصاءً لأي رغبة في الممارسة الحزبية الحقيقية، وهي من وجهة نظري، إذا كان مسموحاً إبداء وجهات النظر، ضربة لأحزاب قائمة ومرخصة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود في الأردن، بعد العودة للحياة الديموقراطية والانتخابات.
رابعاً: لن يخضع أي منهم لتنافس حقيقي، وستكون الانتخابات فيما بعد مسرحية دُمى لا أكثر، ولو كان المقصود تكتلات لألتحق القوم بأحزاب موجودة، وشكلوا معها تكتلات مما هو موجود، إلا إذا كان هناك تشكيك بما هو قائم من أحاب، وعدم قناعة.
خامساً: ستبقى المظلات قائمة، وممارستها فعلية وفاعلية، ولن تنتفي طريقة استخدام البرشوت للمناصب إلى يوم الدين، أو أن يرث الله الأرض ومن عليها.
سادساً: في كل دول العالم هناك منافسات حقيقية، وأظن أن بعض المنافسات جرت في الأردن، وكانت نتائجها واضحة للعيان، عندما كانت الانتخابات تتمتع بقدر من النزاهة.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/25 الساعة 11:52