عيد بتمام الطاعة أيا تكن الأحوال
ياسر الزعاترة
يعتقد كثيرون أن مفهوم العيد في الإسلام هو لون من الفرح المجاني الذي يمكن أن يتوافر في الأعراس والمناسبات الاجتماعية التقليدية التي يعرفها الناس في حياتهم اليومية، ومن هنا تتكرر على ألسنتهم في سياق العيد مقولات تجرده من الفرح تبعا لأحوال الأمة المعقدة والجراحات الكثيرة التي يتواصل نزفها على نحو استثنائي في الآونة الأخيرة.
بل إن مقولة المتنبي الشعرية الشهيرة “عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم لأمر فيك تجديد”، تكاد تتحول إلى لازمة على الألسنة (هناك في واقعنا الراهن ما هو أسوأ مما مضى)، فيما يذهب البعض إلى أن العيد للصغار وليس للكبار الذي تزدحم حياتهم بالهموم والواجبات التي يأتي العيد ليضيف إليها أعباءً جديدة، لاسيما لذوي الدخل المحدود.
والحال أن العودة إلى الأصول في سياق مفهوم العيد وطقوسه قد تعيد الإنسان المسلم إلى حقيقة العيد كما أرادها الدين الحنيف، وإلى جوهره الذي لا ينزع عنه صفة العيد في أي حال من الأحوال.
نتذكر ها هنا وصف النبي له بيوم الجائزة، أو اليوم الذي توزع فيه الجوائز، أي الأجور العظيمة على الصائمين والقائمين، ويكفي أن يتخيل المرء المسلم حقيقة أن عاملاً مضى عليه شهر كامل يكد ويتعب وجاء اليوم الذي سيأخذ فيه أجره كاملا من دون نقصان، بل مع كثير من الزيادة على سبيل المكافأة. ولله المثل الأعلى.
في رمضان يصوم المسلم شهرا كاملا، ويضيف إلى ذلك القيام في الليل، وهو يعلم أن الله عز وجل قد خص هذا الشهر بأجر عظيم لمن صامه وقامه، فكيف لا يفرح يوم العيد بعد أن منّ الله عليه بأن أعانه على الصيام والقيام، ثم أكرمه بالأجر الجزيل لقاء ذلك.
إنه الفرج بالطاعة، وكان يتكرر يوميا مع الفطر في رمضان (للصائم فرحتان)، “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”، والطاعة هي الصيام بالنسبة لعيد الفطر، كما هي الحج في عيد الأضحى، رغم أن الحج يبدو مختلفا من حيث قلة من يحجون، لكن يوم عرفة ومن ثم يوم النحر الذي يشارك فيه كل القادرين بتقديم الأضاحي هو نوع من الطاعة التي تستحق الفرح، فضلاً عن صيام يوم عرفة للتوحد مع مشاعر الحجاج الواقفين بذلك الصعيد الطاهر.
الفرح في الإسلام هو فرح بالطاعة، والطاعة تستحق الفرح بالفعل لمن أدرك تأثيرها في نفوس المؤمنين، وهي لا ترتبط بالصيام والحج فحسب، بل تشمل الصلاة والصدقة وسائر القربات إلى الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عن الصلاة “أرحنا بها يا بلال”، وفي العموم فإن شعور المؤمن برضا الله أو اقترابه من رضاه هو السبيل إلى السعادة، لأنها المدخل إلى السعادة الأبدية في الدار الآخرة.
أما أحوال الأمة فهي ليست نادرة، إذ مرت بمثلها طوال قرون من دون أن يطالب أحد بإلغاء العيد، في حين لا ينبغي المبالغة في تصوير الحال على النحو الذي يجري. صحيح أن هجمة عاتية تواجهها الأمة في أكثر من مكان، لكن ذلك لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن أنها أمة تقاوم ولا تستسلم، بل لا تعرف الاستسلام.
خلاصة القول أن العيد يستحق فرحة الصائمين والقائمين في كل الأحوال، لكن الأمة أيضاً بخير وفي جسدها الكثير من العافية الذي يحول بينها وبين الاستسلام أمام هجمات الأعداء، بل يؤكد أن خروجها من المحنة مؤكد بحول الله.
على أننا في كل الأحوال إزاء فرح إيجابي لا ينسي أصحابه واجبهم تجاه دينهم وأمتهم وخيرة رجالها من شهداء وأسرى ومجاهدين.
تقبل الله الطاعات وكل عام ونحن وأنتم وأمتنا بألف خير.
الدستور