هذا العيد للأمة جميعا
لقد أطربتني عبارة الأستاذ عاطف قعوار النائب السابق وهو يرحب بضيوفه على مائدة إفطار رمضان في منزله العامر, حيث دعا الى مأدبته لفيفاً من الشخصيات الوطنية من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية والفكرية ؛ عندما قال نحن نعتبر أن رمضان لنا جميعاً, وهو شهر فضيل للأمة كلها, ولذلك فإن رمضان مناسبة لجمع الكلمة ولم شمل المجتمع وتوحيد الصف, وكان حديث بعض الشخصيات المسيحية على الطاولة بأنهم يحتفون برمضان كما يحتفي المسلمون ويعيشون طقوسه ويعدون « القطايف» والحلويات الخاصة بهذا الشهر.
كما أن كلمة رجل الدين المسيحي «الأب وليم», كانت تضم جملة من المعاني الجميلة المتطابقة مع المفهوم الإسلامي تماماً لمعنى الصوم عندما قال بأن الصيام الحقيقي هو الامتناع عن المحرمات والفواحش ، والامتناع عن إيذاء الجار والناس , وضبط النفس عن مقارفة العدوان ،من اجل إعادة بناء الإنسان القوي القادر على بناء مجتمعه والصدع بمهمة الإصلاح, كما تمت الإشارة الى أن الاجتماع على مائدة الإفطار ليس احتفاءً بالطعام والشراب وإنما هو احتفاء بمشاعر الاخوة والصداقة, واحتفاء بمعاني التسامح والتعاون وتحقيق متطلبات العيش المشترك, من أجل بناء أوطاننا وحماية مؤسساتنا وتعظيم إنجازاتنا وصيانة أمننا المشترك.
نعم لا بد أن نخرج من سياق الفهم الطائفي الضيّق الذي يمزق المجتمع ويثير كوامن التعصب بين مكوناته ، وضرورة الذهاب الى الفهم الرحب الواسع للدين,وعلينا ان نؤمن بأن الأديان السماوية جميعها هي دين الله الواحد الذي انزل على جميع الرسل « لا نفرق بين احد من رسله «, وأن جميع الأنبياء جاءوا برسالة واحدة تقوم على التوجه الى الله وحده بالعبادة والطاعة والخضوع, وأنهم كلهم جاءوا يدعون الى مكارم الاخلاق وفضائل السلوك, وبناء منظومة القيم النبيلة ، التي تشكل مرجعية عليا للتجمعات البشرية من أجل أن يكون الإنسان حرّاً مكرماً سيداً للكون ، وقادراً على القيام بمهمة خلافة الأرض وعمارة الكون والعناية بالموجودات وحفظ التوازن بين المخلوقات ، وصيانة مقومات الحياة, والبعد عن الفساد وسفك الدماء.
هذا الفهم الرحب الواسع للدين والتدين ينعكس على كيفية التعامل مع هذه المناسبات الدينية ؛ لنجعل منها عاملاً من عوامل وحدتنا وبناء قوتنا, وصيانة نسيج مجتمعاتنا, بعيداً عن التعصب وخطاب الكراهية ومعاني الشرذمة والانقسام واثارة العداوة والبغضاء ، الذي يناقض مقاصد الدين ومفهوم الشرائع, ولذلك فإن رمضان هو شهر الخير والبركة للأمة كلها ، وشهر التسامح بين الأسر والأفراد ، وشهر الرفق بالمحتاجين وتلبية حاجات الفقراء والمساكين, والمسح على جراح المكلومين، وتعويض الأيتام عن مرارة فقد آبائهم وأمهاتهم وذويهم ؛ خاصة في هذا الظرف الحرج الذي تمر به الأمة من حيث اشتعال الفتن والحروب الداخلية وكثرة عوامل اللجوء والنزوح عن الأوطان في العالم العربي .
ونحن مقبلون على عيد الفطر السعيد, لنجعل منه أيضاً مناسبة وطنية كبرى وعامة لكل أفراد شعبنا وأمتنا, من أجل إحياء سنة الصفح والتسامح والتغافر, ونبذ الحقد والكراهية ، وغسل القلوب من كل معاني الغل والخصومة, ممها كانت أسبابها وأشكالها, وأن تكون مناسبة لنا جميعاً من أجل صيانة وطننا ومجتمعنا, والضرب على أيدي مثيري الفتن وزارعي بذور الشقاق والانقسام بين مكونات المجتمع الواحد, ومن يحمل الدين ويتصدى للتبشير به عليه أن يفقه مقاصده ومعانيه الكبرى التي أجمع عليها العلماء والفقهاء والعقلاء.
الدستور