لماذا تهدد 5G سلامة الطيران في مطارات أمريكا تحديداً؟ القصة ليست تكنولوجية

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/19 الساعة 14:47

 مدار الساعة - يثير التحذير الذي وجهته شركات الطيران الأمريكية إلى إدارة جو بايدن بشأن تقنية الجيل الخامس 5G وتأثيرها على سلامة الطيران تساؤلات بشأن التوقيت ولماذا مطارات أمريكا تحديداً؟

 
كان رؤساء شركات الطيران الأميركية الكبرى قد وجهوا رسالة إلى البيت الأبيض الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، حذروا فيها من احتمال وقوع اضطرابات كارثية في قطاعَي النقل والشحن الجوي في حال تشغيل شبكات الجيل الخامس G5 الأربعاء 19 يناير/كانون الثاني كما كان مقرراً، دون وضع ضوابط لمحطات الإرسال الواقعة قرب مطارات الولايات المتحدة.
 
وكان من المفترض أن تقوم شركتا الاتصالات "فيرايزون" و"آي تي أند تي" بإطلاق خدمة "الجيل الخامس سي – باند" الجديدة اليوم الأربعاء، بعد تأجيل التشغيل مرتين من قبل، كانت الأولى في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والثانية 5 يناير/كانون الثاني الجاري.
 
وأمس الثلاثاء اتفقت شركتا الاتصالات على تأجيل إطلاق خدمات الجيل الخامس مرة ثالثة لمدة أسبوعين، وأكدت "إيه تي أند تي" الاتفاق في بيان، مشيرة إلى أنه بناء على طلب وزير النقل الأمريكي بيت بوتيدجادج: "وافقنا طواعية على تأخير إضافي لمدة أسبوعين لنشرنا خدمات الاتصال اللاسلكي العاملة بشبكة (5 جي). نعلم أن سلامة الطيران وشبكات (5 جي) يمكن أن يتعايشا، ونحن على ثقة بأن مزيداً من التعاون والتقييم الفني سيبدد كل الشكوك".
 
ما قصة تقنية الجيل الخامس؟
يقول خبراء التكنولوجيا إن تقنية الجيل الخامس قد تغير حياتنا تغييراً جوهرياً، إذ ستسمح سرعته الفائقة بالسيطرة على السيارات ذاتية القيادة وصولاً إلى إجراء عمليات جراحية عن بُعد. وأبرز خمس شركات توفر تقنية الجيل الخامس هي هواوي وZTE (الصينيتان) ونوكيا (الفنلندية) وسامسونغ (الكورية الجنوبية) وأريكسون (السويدية).
 
لكنّ مسؤولين أمريكيين يقولون إن ذلك سيضاعف المخاوف الأمنية نتيجة الدور المحوري والأساسي الذي ستلعبه الاتصالات الإلكترونية في حياتنا اليومية وزيادة عدد الأجهزة الموصولة بالنظام الجديد.
 
وبتمدد تقنية 5G في كل أوجه الحياة من المستشفيات إلى شبكات المواصلات إلى منشآت توليد الطاقة، ستصبح جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية لكل الدول. وهذا سيجعل نتائج حدوث عطل في هذه الشبكات أو استخدامها عمداً للتخريب أكثر خطورة.
 
 
 
 
ومن الناحية التقنية، يستعمل الجيل الخامس ترددات راديو 3.5 GHz في نسخته الأولى قبل الوصول إلى مستوى 26 GHz، وتهدف التكنولوجيا الجديدة إلى توفير إمكانية الربط دون ازدحام على مستوى الترددات التقليدية التي يستخدمها الجيل الثاني والثالث والرابع، والتي تتراوح بين 700 MHz و26 GHz.
 
لكن فاعلية وقوة الجيل الخامس ليست مرتبطةً فقط بنوع ومستوى ترددات الراديو المستعملة، بل تتعدى ذلك إلى نوعية البنيات التقنية التحتية (اللاقط الهوائي ووحدات التحكم)، والتي تسمح بالتمتع بجودة دخول للخدمات الرقمية تعادل 10 مرات سرعة الولوج المتوفرة عبر شبكات الجيل الرابع من الاتصالات.
 
على سبيل المثال، لن يستغرق تحميل ملف تبلغ مساحته 1 GB باستخدام الهاتف الجوال أو الحواسيب اللوحية أكثر من 10 ثوانٍ عبر تقنية 5G، مقابل 7 دقائق كاملة في التقنيات المستخدمة حالياً.
 
ما تأثير تقنية 5G على سلامة الطيران؟
برزت منذ البداية مخاوف من أن تكنولوجيا الجيل الخامس الجديدة قد تتداخل مع إلكترونيات الطائرات. واستمرت تلك المخاوف، إذ عبر قطاع الطيران وإدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن القلق من إمكانية تداخل تكنولوجيا الجيل الخامس مع أجهزة حساسة في الطائرات، مثل أجهزة قياس الارتفاع اللاسلكية.
 
وأصدرت شركة "إيرباص" بياناً قالت فيه: "تعاونت شركتا إيرباص وبوينغ مع آخرين في قطاع الملاحة الجوية في الولايات المتحدة لفهم تأثير الجيل الخامس وتداخله مع أجهزة قياس الارتفاع اللاسلكية، وقُدّم اقتراح يتعلق بالأمان الجوي للتغلب على أي مخاطر محتملة إلى وزارة المواصلات الأمريكية لمناقشته".
 
حتى يتم تفعيل التحديث ستقوم شبكات الهواتف المحمولة بنقل عمليات التشغيل الخاصة بها إلى موجات لا سلكية جديدة تسمى سي-باند. وقد أنفقت شركتا فيريزون وإيه تي أند تي العام الماضي 67 مليار دولار للحصول على رخص أطياف السي-باند المطلوبة لتحديث شبكاتهما إلى مستوى تقنية الجيل الخامس، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
 
الجيل الخامس للإنترنت
 
لكن شركات الطيران الكبرى تخشى أن تتأثر أجهزة الطائرات الخاصة بتحديد ارتفاع الطائرة عن سطح الأرض، وهي تعمل أيضاً بترددات السي-باند، بسبب تداخلها المحتمل مع ترددات السي-باند الخاصة بشبكات المحمول من الجيل الخامس. ويعتمد الطيارون على أجهزة الرادار اللاسلكي في الطائرة لقياس المسافة للأرض عند الهبوط خصوصاً في حالات الرؤية المنخفضة.
 
هل مشكلة 5G والطيران عالمية؟
هناك إجماع بين الهيئات المسؤولة عن الاتصالات والطيران على أن تقنية الجيل الخامس وصناعة الطيران يمكنهما التعايش والتواجد معاً بشكل طبيعي، والحقيقة أن ذلك الأمر يحدث بالفعل الآن في 40 دولة حول العالم طبقت بالفعل تقنية الجيل الخامس في شبكاتها للاتصالات.
 
وقالت شركات الاتصالات الأمريكية إنه لم يتم الإبلاغ عن أي حوادث خاصة بالطيران في تلك الدول، وأن شركات الطيران الأمريكية تقلع وتهبط أيضاً من مطارات تلك الدول دون مشاكل، بحسب تقرير لرويترز.
 
وكانت هيئة الطيران المدني الفيدرالية في الولايات المتحدة قد أصدرت بياناً يوم 3 يناير/كانون الثاني الجاري قالت فيه إن "الجيل الخامس والطيران يعملان معاً بطريقة آمنة في الدول الأخرى، لأن المناطق المحيطة بالمطارات شهدت تقليلاً في مستويات الطاقة، ولأن صناعتي الاتصالات والطيران قد عملتا معاً قبل نشر تقنية الجيل الخامس بغرض التنسيق وحل أي مشكلات".
 
لماذا تعاني مطارات أمريكا تحديداً؟
تعود المناقشات الخاصة بكيفية إدارة الفترة الانتقالية من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس داخل الولايات المتحدة إلى عدة سنوات، لكنها ازدادت حدة في الأشهر الأخيرة. وكانت شركتا الاتصالات فيريزون وإيه تي أند تي قد أعلنتا عن تشغيل خدمات الجيل الخامس في الولايات المتحدة في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن اعتراضات شركات الطيران أدت إلى التأجيل.
 
واقترحت شركتا الاتصالات عدة إجراءات للوصول إلى اتفاق مع شركات الطيران، منها تخفيض قوة شبكات الجيل الخامس في المناطق المحيطة بالمطارات ومهابط الطائرات العمودية، إضافة إلى تشغيل خدمة الجيل الخامس بمستويات طاقة منخفضة على مستوى البلاد في فترة الأشهر الستة الأولى من التشغيل.
 
مَن المسؤول عن المشكلة في أمريكا؟
لكن اقتراحات شركات الاتصالات لم تنجح في التقليل من مخاوف شركات الطيران، التي لجأت للتصعيد وأرسل المديرون التنفيذيون لأكبر 10 شركات طيران لنقل المسافرين وشحن البضائع خطاباً تحذيرياً إلى وزير المواصلات الأمريكي، وطالبت بحظر شركات الاتصالات من تشغيل محطات الجيل الخامس على مسافة لا تقل عن .3 كلم من مدرجات الإقلاع والهبوط في المطارات الأمريكية.
 
والآن تتبادل شركات الاتصالات وشركات الطيران الاتهامات بشأن الطرف المسؤول عن الموقف الحالي، خصوصاً أن بعض أكبر خطوط الطيران قد أعلنت عن تعليق رحلاتها إلى بعض المطارات الأمريكية لحين حل الأزمة.
 
النفط بايدن
النفط بايدن
 
شركة طيران الإمارات أعلنت أنها ستعلق رحلاتها إلى وجهات أمريكية اعتباراً من اليوم الأربعاء وحتى إشعار آخر. وقالت الشركة في إشعار على موقعها الإلكتروني إن القرار يأتي بسبب مخاوف تشغيلية مرتبطة بتشغيل مزمع لخدمات الجيل الخامس للهاتف المحمول في الولايات المتحدة، مضيفة أن من بين الوجهات بوسطن وشيكاغو ودالاس فورت وورث وهيوستن وميامي ونيوآرك وأورلاندو وسان فرانسيسكو وسياتل.
 
وذكرت الشركة أن رحلاتها إلى مطارات جي.إف.كيه في نيويورك، ومطار لوس أنجلوس الدولي ومطار دولس الدولي في واشنطن مستمرة بشكل اعتيادي. وأضافت: "نعمل على نحو وثيق مع شركات صناعة الطائرات والسلطات ذات الصلة للتخفيف من المخاوف التشغيلية، ونأمل في استئناف خدماتنا إلى الولايات المتحدة بأسرع وقت ممكن".
 
شركات الطيران وهيئة الطيران المدني الفيدرالي، من جانبها، تقول إنها حاولت مراراً التحذير من المخاطر المحتملة للتداخل من شبكات الجيل الخامس وتأثيرها الضار على الأجهزة الملاحية للطائرات، لكن شركات الاتصالات تجاهلت تلك التحذيرات.
 
وكان بحث أعدته مجموعة "إيرلاينز فور أمريكا" قد خلص إلى أنه لو كانت قوانين إدارة الطيران الفيدرالية بخصوص الجيل الخامس مطبقة في عام 2019، فإن نحو 345 ألف رحلة ركاب و5400 رحلة نقل بضائع كانت ستعاني من تأخير أو تحويل في المسار أو إلغاء تام.
 
والأسبوع الماضي قال المدير التنفيذي لشركة طيران يونايتد إيرلاينز، سكوت كيربي، إن إرشادات إدارة الطيران الفيدرالية بخصوص الجيل الخامس سوف تحظر أجهزة قياس الارتفاع اللاسكلية في 40 من مطارات الولايات المتحدة الكبيرة.
 
لكن شركات الاتصالات والهيئة الفيدرالية للاتصالات، من جانبها، تقول إن صناعة الطيران تعرف بأمر تقنية سي-باند الخاصة بالجيل الخامس منذ عدة سنوات ولم تفعل شيئاً للاستعداد لتشغيلها، إذ اختارت شركات الطيران عدم تطوير أجهزتها الملاحية التي قد تكون عرضة للتأثر، وإن هيئة الطيران المدني لم تبدأ حتى دراسة أجهزة الطائرات التي تحتاج إلى تطوير سوى خلال الأسابيع القليلة الماضية.
 
وكان الاتحاد التجاري لقطاع الاتصالات اللاسلكية في الولايات المتحدة، المعروف باسم CTIA، قد قال إن شبكات الجيل الخامس آمنة، متهماً قطاع الطيران بإثارة مخاوف وتشويه حقائق.
 
وقالت المديرة التنفيذية للاتحاد، ميرديث أتويل بيكر، الشهر الماضي، في تدوينة إن "التأخير سوف يسبب ضرراً حقيقياً. تأجيل الطرح سنة واحدة سيسبب خسارة قدرها 50 مليار دولار في النمو الاقتصادي، في وقت يتعافى فيه بلدنا من آثار الجائحة".
 
عربي بوست

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/19 الساعة 14:47