ثلاث سنوات هزت المجتمع
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/18 الساعة 02:18
لا يمكن دخول المئوية الثانية بنفس ادوات ومنهجية المئوية الاولى, هكذا يمكن تلخيص مشروع او فقه اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية, فليس من المقبول والمعقول ان نستمر باعادة انتاج التجربة بنفس المكونات وننتظر نتائج مفاجئة او مغايرة, فالمئوية الاولى فيها الكثير من النجاحات وفيها اخفاقات لا يمكن تجاوزها او المرور عنها على ارضية «اللي فات مات', لأن الذي فات لا يمكن ان يموت, فنحن نعاني منه ومن تبعاته, شخوصا وبرامج ومنهجية, فالشخوص يأبون الاعتراف او المراجعة الموضوعية, والبرامج تبعا لذلك مجهولة النسب والمنهجية غامضة, ودون مراجعة حقيقية لما جرى على المسارين السياسي والاقتصادي, لن نصل الى نقطة الانطلاق.
منذ نهاية حقبة الثمانينيات من القرن الماضي تغير شكل الدولة المألوف شعبيا, من فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية الى حرب الخليج الثانية التي اخذت شكلا كونيا الى مؤتمر مدريد ونواتجه في وادي عربة وغزة- اريحا اولا, فقد نجم عن هذه الاحداث, تغير البناء العام للمجتمع الاردني تغيرا جذريا, ورأينا سلوكا رسميا ملتبس الخطوات, وربما من سوء الطالع او الترتيب الكوني, ان يتزامن نسبيا فك الارتباط مع عودة قرابة نصف مليون اردني من الكويت ودول الخليج, وغالبيتهم المطلقة من ابناء الضفة الغربية, متزامنا ايضا مع الذهاب الى مدريد بمذكرة جلب كما قال الامير الحسن وقتها.
أظن ان تلك السنوات الثلاث, كانت اول صاعق اقليمي ضرب الجسد الاردني, فاستيقظ مفزوعا بعد اربعة عقود ثابتة ومستقرة, فحتى صواعق الاقليم في ايلول ومؤتمر الرباط لم تغير من حالة الثبات الا قليلا, وفي بعض المؤسسات اللازم لها ان تستجيب موضوعيا لهذين الحدثين, ربما بالغ بعض عقل الدولة في الاستجابة, لكن الاندياح الذي حصل قبيل وفي اتون العام 1974 المصاحب لثورة البترودولار نحو الخليج العربي, اخفى التوابع او الاختلالات, التي لو ظهرت حينها لكانت الاحوال افضل, ولهذا اشرت سابقا الى الترتيب الكوني, فهذا لا يمكن ان يحدث في ثلاث سنوات بمحض الصدفة.
عاد نصف مليون اردني من الكويت في اغلبهم كما سبق, وهذا احدث اختلالا في الثقافة الجمعية, فالقادمون عاشوا في بحبوحة اقتصادية وشبه انفتاح ثقافي وسياسي شهدته الكويت بعد الازمة اللبنانية, فكان تعبيرهم الفلسطيني اعلى من تعبيرهم الاردني, بل ان معظم من عمل في الخليج كان يسير على نظام الهايبرد في موضوع الهوية, فهو اردني اذا كان الاستحقاق «فلسطينياً» – تحديدا عن استيفاء 5% لصندوق المنظمة, وفلسطيني اذا كان الاستحقاق «اردنياً',–ملف خدمة العلم-, هذه الكتلة جاءت بمنظومتها وتلاقت مع احتفالات كانت سائدة عند فصائل منظمة التحرير بفك الارتباط, وحتى يكتمل الضلع الثالث كانت فئات محدودة تحلم بنجاح العملية السلمية وبالتالي تعود الى الضفة وطبعا كانت التغذية الرسمية بانهار السمن والعسل تمنحهم هذا التفاؤل.
على القاطع الثاني, كان الوضع مختلفا تماما, المسار معاكس للمألوف, فالخصخصة بدأت تنهش في جسد القطاع العام, السند التاريخي للاردني, والثقافة الجديدة تعاكس النهج المحافظ الذي اعتاد عليه, وثمة بروز غير حذر للهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية, فلم يجد سوى تعبير واحد للحفاظ على كينونته من خلال التمسك بشعارات مثل دسترة فك الارتباط وما شابهه من شعارات, بعد ان تخلت المؤسسة الرسمية عن اوراق الميثاق الوطني, الذي كان فرصتنا للنجاة الكاملة في ذلك الوقت, فتشظت الهوية, وزاد هذا التشظي مع فشل العملية السلمية, والمبالغة في نهج الخصخصة غير المدروس, فباتت الهواجس المشروعة ترتفع وبدأ الاستثمار الانتهازي في هذه الهواجس يعلو ايضا, وللحديث بقية.
omarkallab@yahoo.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/18 الساعة 02:18