بلد المليون خبير!
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/16 الساعة 01:56
أن تتحدث بما تعلم وبما هو اختصاصك هذا جيد لا وبل مطلوب. أما أن تسند إلى نفسك لقب الخبير دون أي خبرة تؤهلك للحديث في شأن عام، سواء أكان اقتصادياً أم اجتماعياً أم سياسياً ولمجرد أنك تعلم بما لا تعلم ولو بجزء بسيط، فهنا المصيبة والتضليل للرأي العام.
في الأردن مؤخرا بدأنا نشهد خبراء من كل شكل ونوع، فتجدهم خبراء في كل شيء باستثناء ما يتحدثون به، معتمدين بطرحهم على معلومات يستميلون فيها المستمعين والمشاهدين والمتابعين من خلال التشكيك بالنوايا الحكومية تجاههم، وبيان حرصهم على مصالح الناس، من خلال وسائل السوشال ميديا وبعض منصات الإعلام المتعددة التي أصبحت هي أيضا تبحث عنهم لملء فراغ إعلامي، لغاية جذب المشاهدين، في منافسة عمياء، ومساعدتهم على تحقيق الشعبويات وزيادة اعداد الإعجابات والمشاركات (لايك وشير) بغض النظر عن الحقيقة التي يتحدثون بها.
ورغم كل شيء، الا ان هناك مفارقة كبيرة عند حديثهم، فتجدهم أنفسهم لا يتفقون على شيء، فكل منهم يعطي معلومة تختلف عن الآخر، وتحليلاً مناقضاً لتحليل الآخر، غير أن كلاً منهم يصر على أن معلومته هي الحقيقة، ومن هنا يقع الرأي العام ضحية تعدد الآراء، برغم ان غالبيتها تصب لمصالحهم طلبا لشعبوية لا يكسب منها سوى هم وحدهم، متسلقين على هموم الناس والوطن في آن واحد.
خبراء الشعبويات، يعتمدون على أمرين مهمين، أولهما أنهم يعتمدون على رأي عام يستمع لهم بعد أن نجحوا في ترويج أنفسهم خبراء بمساعدة السوشال ميديا وبعض البرامج والمحطات والاذاعات، ولا يستقون المعلومة إلا من خلالهم، وكيف لا وهم من استطاع أن يشوه الثقة بين الرأي العام والحكومة وحتى ممثليهم في مجلس النواب، وأما الأمر الثاني، فهم يشوهون الخبراء الحقيقيين الذين لا يتحدثون إلا بالعلم والخبرة الحقيقية، من خلال الادعاء عليهم بمسمى السحيج مرة وأخرى يريد تحقيق المكاسب.
لدينا تحديدا، أن كل من عمل طبيبا حتى من حديثي التخرج هو خبير طبي ووبائي ويتم استضافته على أنه خبير صحي، ومن كان لديه محطة وقود يصبح خبير طاقة، ومن لديه مصنع صغير جدا هو خبير صناعي، ومن لديه دكانة يصبح خبيراً تجارياً، ومن لديه خبرة بتغيير الدواليب هو خبير ميكانيكي، ومن لديه عمل في وزارة أصبح خبيراً في شؤونها حتى لو فشل، ومن يخرج في الفيديوهات يصبح «مسؤولاً طاهراً»، ومن يكتب على السوشال ميديا خواطر يصبح خبير سوشال ميديا، ومن يعطي محاضرات في جامعة يصير خبيراً سياسياً، ومن يجيد طبخة يفتح لها مطعما، حتى اصبح لدينا من الخبراء في كل شيء، مئات الآلاف من الخبراء الجاهزين لتصديرهم إلى دول العالم.
نعم لدينا خبراء على درجة كبيرة من العلم والمعرفة، غير أن خبراء التزييف كثروا وعلا صوتهم ومن يستمع لهم كثر؛ كيف لا وهم من يتحجج بهموم الناس بينما هم على الجانب الآخر يقايضون على مصالحهم أولا ومن بعدهم فليأتي الطوفان.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/16 الساعة 01:56