تاريخ أمازيغ مصر المنسي: حكموا مصر الفرعونية وساعدوا في إقامة الدولة الفاطمية
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/14 الساعة 16:27
مدار الساعة - تمتد جذور شجرة العرق الأمازيغي عميقًا في تربة غابات التاريخ البشري، وما زالت فروعها تزهر وتثمر، وينتشر من يحملون الثقافة الأمازيغية في كل أرجاء العالم، ترجح المصادر أن شمال أفريقيا هو الموطن الأصلي للعرق الأمازيغي، دون تحديد أصل تلك القبائل التي استوطنت منطقة شمال القارة السمراء، وساهمت في بناء الحضارات في كل من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا ومصر.
لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد الأمازيغ في العالم، لكن أعدادهم قد تتراوح بين 35-50 مليون أمازيغي حول العالم، يقطن منهم نحو 30 ألف شخص فقط في غرب مصر داخل واحة سيوة، وهم امتداد أمازيغ مصر الذين ساهموا في بناء الحضارة المصرية على مر العصور المختلفة مثل (عصر الدولة الفرعونية وعصر الدولة الفاطمية)، ومن خلال السطور القادمة سنعرف معًا محطات في تاريخ أمازيغ مصر.
الأمازيغ: العرق القديم الذي عُرِف في كل الحضارات
يعود التوثيق الأول للأمازيغ في صفحات التاريخ إلى أكثر من 3 آلاف عام قبل الميلاد، وجرى ذكر الأمازيغ أول مرة في الكتابات المصرية القديمة خلال فترة ما قبل الأسرات، ولعدة سنوات سكنوا ساحل شمال أفريقيا، ينتشر الأمازيغ في جميع أنحاء العالم (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، مالي، النيجر، موريتانيا، والمهاجرين في أمريكا ودول أوروبية عديدة)، يتحدثون جميعًا لغات أمازيغية مختلفة وتنتمي إلى اللغة الأفروآسيوية، وتتركز أكبر نسبة منهم في المملكة المغربية ودولة الجزائر.
كثيرة هي الروايات حول المنطقة الأصلية لقبائل الأمازيغ قبل الاستيطان في شمال أفريقيا، وخرجت العديد من الفرضيات والتي لم يتفق عليها المؤرخون مطلقًا، بعضها يبدو منطقيًّا والبعض الآخر يندرج تحت بند الأساطير.
أطلال قرية أمازيغية في تونس
يرى علماء الاجتماع أن الأمازيغيين من أصول شرقية عربية، انتقلوا بسبب الجفاف وتغير المناخ والحروب إلى شمال أفريقيا، ويرجحون أنهم في الأصل من العرق الحامي للبربر، بمعنى أنهم من أبناء حام بن نوح، هاجروا من الجزيرة العربية، واستقروا في شمال أفريقيا في موجة نزوح جماعي ومن هناك بدأ الأمازيغ في تكوين عرقهم الممتد حتى الآن.
ويعتقد آخرون بالأصل المزدوج للبربر، فهم يجمعون بين السلالة السامية والسلالة الهندوأوربية، السلالة الأولى هي الهندية الأوروبية التي نزحت إلى أفريقيا من آسيا ثم أوروبا على طريق صقلية وجبل طارق، والسلالة الثانية سامية، ثم التقت السلالتان إلى شمال أفريقيا، وهذا ما يفسر حسب أنصار هذه النظرية اختلاف الخصائص البشرية عند البربر، ولون الشعر والعيون، وحتى اللهجات.
وترجح بعض الآراء الأصول القوقازية للأمازيغ، بينما يعتقد آخرون في أصل الأمازيغ الآسيوي تحديدًا من السلالة الهندوأوروبية التي هاجرت من آسيا، ويرى آخرون أن للأمازيغ أصولًا إغريقية، ولذلك يصعب تحديد أصول هذا العرق القديم، الذي عرف في كل الحضارات القديمة دون تحديد أصوله.
شيشنق الأول: الملك الأمازيغي حاكم مصر
لاحظ المصريون منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد وجود قبائل بدوية قوية تسكن منطقة شمال أفريقيا المجاورة، بعض تلك القبائل انخرطت في نزاع مسلح مع المصريين، ودخلت في حروب مع الدولة الفرعونية، وصفوا بالأعداء وصنفت مجتمعاتهم بأنها بربرية همجية.
العديد من هؤلاء الأمازيغيين جرى أسرهم في الحروب واستقروا في مصر، هذا بخلاف القبائل التي دخلت مصر بهدف التجارة والاستقرار، وفي النهاية استوطنوا مصر في موجة هجرة أولى، وأطلق عليهم اسم «أمازيغ مصر».
أمازيغ مصر
الملك شيشنق الأول – المصدر: بريتانيكا
وأطلق على أمازيغ مصر اسم «أمزران» والذي يعني (الأحجار الكريمة)، ويقال إن سبب التسمية يرجع إلى إعجابهم بالمباني العظيمة التي بناها المصريون من الحجارة في عهد الملك رمسيس الثالث، الذي قرر الاستفادة منهم وتجنيدهم في الجيش المصري، فيما سمح للباقين بالاستيطان في الأراضي الغربية لمصر بشرط أن يقوموا بزراعتها والحفاظ عليها وصد الغزاة.
شكل الأمازيغ محاربي الجيش المصري بالكامل في عهد الأسرة المالكة الـ21، وتولى قيادة الجيش آنذاك المحارب شيشنق، الذي سينجح فيما بعد في حكم مصر، وينحدر شيشنق المحارب من سلالة عريقة من الأمراء والمشايخ من أصل قبلي، استوطنوا حدود مصر وليبيا، وكان لقبهم قبيلة المشوش العظيم، والذين هاجروا إلى وسط مصر واستقروا في بوباستيس في دلتا نهر النيل محافظة الشرقية حاليًّا.
وبالفعل اعتلى شيشنق الأول العرش دون مقاومة من الملك بسوسنس الثاني آخر ملوك السلالة 21، ومعه بدأت الأسرة الثانية والعشرين وعهد الملوك الفراعنة الأمازيغ، وبمباركة الشعب المصري وبالتحديد في يوم 13 يناير (كانون الثاني) عام 950 قبل الميلاد، نصب الملك شيشنق الأول حاكمًا لمصر، وهو تاريخ التقويم الأمازيغي المعتمد في وقتنا الحالي والذي يحتفل به الأمازيغ كل سنة.
من بعد شيشنق الأول؛ حكم الأمازيغ مصر وتبوءوا مكانة مرموقة في المجتمع لأكثر من قرنين من الزمان، منذ نحو 945 حتى 715 قبل الميلاد، وما زال الملك شيشنق الأول يثير الجدل بين دول شمال أفريقيا، ولا يعرف أصله الحقيقي بين أربع دول عربية هي: مصر، وليبيا، وتونس، والجزائر.
كتامة وزويلة وصنهاجة: أمازيغ مصر وجنود الدولة الفاطمية
يعود تاريخ دخول الأمازيغ الدين الإسلامى إلى وقت الدولة الأموية، خاصة عقب الفتوحات الإسلامية في شمال أفريقيا والمغرب على يد عقبة بن نافع، انجذب العديد من القبائل الأمازيغية للدين الإسلامي وانخرطوا مع المسلمين في كافة جوانب الحياة، حتى استعانت بهم الدولة الأموية للمساعدة في الأعمال العسكرية للجيش، فأثبت مقاتلو قبائل الأمازيغ قوتهم وبأسهم في القتال ونجحوا في مساعدة الدولة الأموية على دخول الأندلس تحت قيادة القائد الأمازيغي طارق بن زياد عام 711م.
جاءت الموجة الثانية من هجرة الأمازيغ إلى مصر مع جيش المعز لدين الله الفاطمي، الذي قرر هو الآخر الاعتماد على الأمازيغ بوصفهم مقاتلين مثل الفراعنة والدولة الأموية، فأرسل جيشًا مكونًا من 100 ألف جندي بقيادة جوهر الصقلي، وكان غالبية الجنود وقائدو الكتائب من الأمازيغ، وتحديدًا من قبيلتي كتامة وصنهاجة الموجودتين في صحراء شمال أفريقيا والمغرب.
وبالفعل نجحوا في دخول مصر، وساعدوا الفاطميين على تأسيس دولتهم القوية، وأصبح الأمازيغ من الأعيان وكبار القوم في تلك الدولة، وعملوا بالتجارة والجيش، وتمكنوا من التحكم في مراكز الدولة ومفاصلها، ونقلوا الثقافة والعادات الأمازيغية إلى المصريين.
وتأثر المصريون بشدة بالثقافة الأمازيغية في عهد الفاطميين، ولذلك ترك المصريون عدة حارات مصرية باسم قبائل أمازيغية عاشت فيها ومنها حارة خاصة بقبيلة «كتامة» عرفت باسم حارة كتامة، وهناك قبيلة «شعرية» والتي سميت منطقة باب الشعرية في القاهرة باسمهم لأنهم عاشوا فيها، وقبيلة «سعادة» والتي وكانت تنسب لقائد عسكري كبير مقرب من المعز لدين الله الفاطمي ويسمى سعادة، وأُطلق اسمه على منطقة بالجمالية هي «درب سعادة»، وهناك قبيلة «زويلة» أيضًا، والتي أطلق اسمها على إحدى بوابات القاهرة الفاطمية: «باب زويلة».
ضعفت شوكة الأمازيغ في مصر عقب انهيار الدولة الفاطمية، وتفرقوا في جميع أنحاء مصر، انخرط منهم العديد في نسيج المجتمع المصري، واختار بعضهم العزلة والحفاظ على ثقافته الخاصة وعاداته في مدينة سيوة بالصحراء الغربية.
الانعزال والهجرة: أمازيغ مصر بين واحة الغروب والصعيد
تفرق أمازيغ مصر عقب سقوط الدولة الفاطمية دون توثيق محدد لأماكن هجرتهم، وتشير الإحصائيات الحالية إلى وجود 12 مليون شخص في مصر من أصول أمازيغية، يوجد منهم 30 ألف شخص يعيش في غرب مصر داخل واحة الغروب سيوة، يتحدثون اللغة الأمازيغية وما زالوا يحتفظون بعاداتهم وتقاليدهم، ولغتهم وطقوسهم، وتواصلهم مع الفروع في كل دول أفريقيا.
ووفقًا للناشطة أماني الوشاحي نائب رئيس «منظمة الكونجرس العالمي الأمازيغي» في مصر، فإن أمازيغ مصر حاليًا ينقسمون لمجموعتين، الأولى يطلق عليهم اسم الأمازيغ الناطقين، ويتركزون في واحة سيوة التابعة لمحافظة مرسى مطروح، وهم 10 قبائل أمازيغية منهم قبيلة الجواسيس، والزيانين، وأولاد موسى، والحمودات، ويعود أصلها إلى أمازيغ بن كنعان بن حام بن نوح. والمجموعة الثانية هم الأمازيغ غير الناطقين، ويتركزون في جنوب مصر وتحديدًا في محافظة قنا، ويطلق عليهم تجمع قبائل هوارة الصعيد.
وتعود أسباب انعزال أمازيغ مصر إلى فكرة العادات والتقاليد الخاصة بالأمازيغ، واعتزازهم بثقافتهم ولغتهم التي تصعِّب من عملية اندماجهم في نسيج المجتمع المصري، خصوصًا وأن المجتمع المصري اشتهر تاريخيًّا بإذابة أي ثقافة وافدة في نسيجه، وهو ما ينطبق على الأمازيغ غير الناطقين في صعيد مصر الهوارة.
وبسبب أيضًا قلة عدد الناطقين باللغة الأمازيغية الموجودين في مصر حاليًا، وتمركزهم في نطاق محدود جدًّا في المناطق الحدودية مع ليبيا، واندماج قطاع كبير منهم في النسيج المصري وتحولهم إلى أمازيغ غير ناطقين، والذين أصبحوا فيما بعد جزءًا من التراث الشعبي المصري فقد كانوا جزءًا من السيرة الهلالية الشعبية.
وتؤكد أماني الوشاحي أن الكونجرس يعد الممثل الشرعي والوحيد للشعب الأمازيغي في كل مكان أمام المحافل الدولية، وللمنظمة ممثلون في كل الدول التي يوجد بها أمازيغ، وهؤلاء الممثلون يشكلون عضوية المكتب الدولي، جدير بالذكر أن «الكونجرس الأمازيغي» بحسب تصريح أماني الوشاحي لـ«موقع العربية» هو «منظمة حقوقية دولية غير حكومية، تأسست في باريس عام 1995، ويضم في عضويته جميع الهيئات والجمعيات الأمازيغية الناشطة بالحركة الأمازيغية، كما يضم في عضويته أيضًا ناشطي الحركة الأمازيغية بشكل فردي، ويهدف إلى الدفاع عن حقوق الأمازيغ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل مكان».
وتضيف أماني الوشاحي في حديثها مع «العربية» أن الكونجرس الأمازيغي «هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الأمازيغي أمام المحافل الدولية، ويرأسه حاليًا الليبي فتحي نخليفة، وللكونجرس ممثلون في كل الدول التي يوجد بها أمازيغ، وهؤلاء الممثلون يشكلون عضوية المكتب الدولي».
ساس بوست
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/14 الساعة 16:27