عبد الهادي راجي المجالي يتحدث عن مجلس الأمن القومي.. ونظرية المنسف
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/13 الساعة 23:01
مدار الساعة - كتب : عبدالهادي راجي المجالي
هذا ليس بالمقال المليء بالترف اللغوي, بل هو فكرة ربما في لحظة قد تأخذ ولو بعض الإحترام من صاحب الولاية.. وأظنها لن تأخذ، ومع ذلك سأنثرها, وقلبي كأنه صار والمنفى خلان...
مجلس الأمن القومي كما قدمته الحكومة, وكما أراه هو ضرورة ملحة.. مهمة وعبقرية, إن انتجت بطريقة صحيحة! وقد يشبه منسف (الجاج): خذلان واعتداء على موروثك والضمير المعوي, وأحيانا قد يكون امتهانا للمعزب واحتقارا للضيف ..- ولكننا نقول أنها نعمة الله ولايوجد فيها امتهان – إن أخرج هذا المجلس بطريقة مؤلمة كالتي نشهدها. .
لن أدخل في غايات المجلس فقد شرحتها الحكومة واسهبت بها.. ولكني سأدخل إلى صلب عمل المجلس ..سأبدأ (بهنري كيسنجر) , فقد كان مستشارا للأمن القومي ..وهذه الوظيفة في الولايات المتحدة أهم من وزير الدفاع.. مستشار الأمن القومي في أمريكا ليس بالموظف ولا بالفرد, ولكنه يدير مؤسسة مرتبطة بالأمن القومي وعلى رأسها رئيس الولايات المتحدة.. ولكن الرئيس ليس بصانع القرار هو صاحب القرار فقط. أما الصانع فيكون خلف الكواليس... تلك هي مهمة مجلس الأمن القومي.
هنري كيسنجر كان مفكرا في السلطة, لا أقول مفكرا بل أقول عبقري القرار ومهندس السياسة الخارجية, لا بل صاحب نظرية السياسة الواقعية..
حتى (نعوم تشومسكي) المفكر الأمريكي العريق .. مازال الأمريكان للان يعتقدون أن كل من عبروا على الخارجية الأمريكية.. من مادلين أولبرايت وحتى كونداليزا رايس مرورا بهيلاري كلينتون هم من تلامذة تشومسكي, ومن الذين تأثروا به.
في أمريكا الخارجية ومجلس الأمن القومي , لهما مفتاح واحد وقفل واحد.. وفي الغالب التطابق بين مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية مهم, والأهم من كل ذلك أن عمل الأول يكمل الاخر والعكس..
ماذا يعني هذا؟ وإلى ماذا أريد الوصول..
حسنا في الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية أمريكا تقفز عن نظرية الموظف إلى المنظر ...(وارن كريستوفر ) كان منظرا سياسيا.. وكولن باول كذلك... وليام روجرز صاحب مشروع روجرز كان وزير خارجية أيضا.. وكان صاحب فكرة ونظرية ومبادرة...
إن مجلس الأمن القومي الأمريكي فصل وركب وتمت هندسته ليكون من يوضع له هو المنظر والمثقف؛ بمعنى اخر هو تعبير عن تحالف العقل والسلطة... هذه هي وظيفة مستشار مجلس الأمن القومي: أن يحمي العقل السلطة...
لهذا في اجتماعات مجلس الأمن القومي الأمريكي, يحق للرئيس أن يدعو من يشاء من السيناتورات و أساتذة الجامعات والصحفيين والمفكرين والقضاة, والقرار لا يكون حكرا عليه أو على قائد الجيوش.. بل يتخذ بعد الاستماع لكل الاراء.
الفكرة طبقت في مصر .. عبر محمد حسنين هيكل أيضا, هو من صنع الناصرية وانتج منها أيدلوجيا ومنهجا .. وهيكل هو صاحب فكرة منظمة عدم الإنحياز , هو منظر مشروع النكسة.. هو مهندس الخطاب السياسي المصري, هو من أنتج الحالة المصرية المقاتلة .. وصاحب فكرة الإستنزاف والمروج لها ...حتى المصطلحات التي أنتجها هيكل ..لم تكن مصطلحات مجردة بل حولها لحالة عسكرية وتعبوية وشعبية..
ربما فكرة مجلس الأمن القومي أيضا , كانت رائجة في عهد الثورة الشيوعية ...(تروتسكي) كان منظر الشيوعية ومهندس القرارات التعبوية, والشخص الذي يجيد حشد الجماهير وشحنهم.. كان إذا تحدث صمت الكل في اللجنة المركزية.. وكان رأيه يمثل نهجا يسير عليه الكل بمن فيهم (لينين) ...المنظر في الأيدولوجيا الشيوعية لا تعني أبدا ..صاحب الكلام التوفيقي المنمق، بل تعني مهندس القرار والفكرة التي تحمي المشروع والثورة..
مجلس الأمن القومي في الأردن فكرة عبقرية, لكنها مثل منسف (الجاج) ... يخبرونك في لحظة عبر الهاتف بأنك تلقيت دعوة على منسف, فتذهب وفي رأسك شكل (الموزات) وحجم الصنوبر .. وهل ستجرؤ على سحب اللسان من الرأس, وحين تكتشف أن (المعزب) أقام الوليمة على دجاج تصدم ..ربما في داخلك تلوم نفسك أو توجه حراب حقدك على المعزب...
هل أصلا تقبل فكرة المنسف بدون لحم؟ ..الدجاج هي محاولة لتذوق طعم المنسف لكنها محاولة بائسة تشبه.. تركيب محرك (دراجة) على شاحنة ....
ما قيمة مجلس الأمن القومي في الأردن إن اختصر على وزير الداخلية ومدير الأمن العام, ورئيس الوزراء؟.. هؤلاء تنفيذيون .. والمجلس يحتاج لحكماء – أنا لا أقلل من قيمة أي واحد منهم – لكن في النهاية وزير الداخلية الأردني ليس هنري كيسنجر .. وفي النهاية أيضا الشخصية العسكرية هي شخصية تنفيذية تطبق السياسات ولا تنتجها... وهي شخصية يحكمها الميدان وليس المكتب.. بالتالي نسي المشرع أن يجعل عضوية مجلس الأمن القومي مفتوحة في الظروف الطارئة ..فأنا اجزم أن شخصية مثل محمد عدنان البخيت أو مروان القاسم.. أو عبدالسلام المجالي أو عدنان ابو عودة.. يكون رأيها بحكم التجربة والخبرة والوعي السياسي أهم من رأي من يمتلك وظيفة تنفيذية في السلطة...
اللحظات المفصلية في عمر أي دولة تحتاج لعقل ناضج متمكن.. صانع القرار مثلا في اللحظات الصعبة, يحتاج أن يستمع لرأي أكاديمي ملم بالسياسة الخارجية قد نحتاج مثلا لرأي مثل رأي عون الخصاونة القاضي الدولي.. نحتاج للشخص الوازن ..اختصار الحكاية كلها أن الدولة تحتاج لحكمائها وليس لموظفيها في اللحظات التي يكون فيها القرار تاريخيا ومفصليا ...
الأصل أن يحتوي مجلس الأمن القومي على أهم العقول في الدولة الأردنية.. من مشرعين وقضاة وأكاديميين وعسكريين وصحفيين ومفكرين .. لا أن تكون العضوية مقتصرة على موظفين محددين بصلاحيات دستورية.. الفكرة أحيانا أهم من القانون .. الناصرية كانت فكرة, عدم الإنحياز كانت فكرة.. المليشيا كانت فكرة تمثل انقلابا على الجيوش ونجحت.. وأول من صدرها للعالم هم (الفايتكونغ) عبر (هوشية منه ) في الحرب الفيتنامية......الاتحاد الأوروبي كانت فكرة ,دعا إليها العقل الأوروبي وطبقت .. وأصبحت حالة اقتصادية عالمية ..
في الأردن نحتاج للحكماء.. نحتاج أن نتحالف مع العقل.. وتأكدوا أن العقل يحمي السلطة أكثر من البندقية... لهذا كلما سمعت فكرة مجلس الأمن القومي تحمست لها .. ولكن يداهمني منظر منسف الدجاج.. وأقول أنها مثل محاولات فنان مغمور لتقليد (بيكاسو) الذي أسس الحركة التكعيبية في الفن... لكن للأسف لوحات هذا الفنان المغمور خرجت تربيعية ...في النهاية من يعرف المناسف مثلي يدرك أن الفارق بين منسف الدجاج ومنسف اللحم كبير جدا.. وأنت لا تستطيع اقناعي أبدا بأن طعم الدجاج على المنسف يضاهي طعم اللحم..
ملاحظة: هذه المقالة كتبت على منسف (جاج).
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/13 الساعة 23:01