تعديل الدستور ومجلس الأمن القومي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/09 الساعة 00:23
تابعت بانتباه مداولات مجلس النواب أثناء نقاشها للتعديلات الدستورية، ولولا مداخلات رئيس اللجنة وبعض السادة النواب وبعض الوزراء، لكان مستوى النقاش عادياً، ولم تقدم المداخلات الكثير من الإضافات.
وعلى كل؛ لقد كان بث النقاش على شاشات التلفزة مفيداً للشعب الأردني، لأنه منح الفرصة ليتعرف على ماهية التعديلات، وموجباتها، وفي حوار مع أخي السفير السابق مازن الحمود، سألني سؤالاً أثار اعجابي كثيراً «ما دام عندنا في الأردن القدرة على إنجاز أي أمر تكون الحكومات مُقتنعة به، فما الذي يحول بيننا وبين قدرتنا على إنجاز تحسن في الاقتصاد؟». لقد نجحنا في رأيي في محاربة فايروس كورونا وتحوراته، ونجحنا في مواجهة أقصى الظروف الناتجة عن الربيع العربي، واللجوء إلى بلدنا، وارتفاع أسعار النفط، من السلبيات الأمنية والسكانية والعسكرية، بل وانجزنا في هذه المجالات ما يستحق أن نفخر به، فلماذا لا تنتقل هذه الروح إلى الاقتصاد ومشكلاته وارتفاع البطالة وتواضع معدلات نموه وتراجع صادراته، وزيادة العجز في موازنته؟ وأما النقطة الثانية التي داعبت خاطري، فهي مجلس الأمن القومي الذي تمخض النقاش المكثف الذي سبق بحثه لكي نعدل على المواد المتعلقة بتأسيسه دستورياً هو أن جلالة الملك لا يرأسه، مع أن لتلك الرئاسة فوائد كثيرة لا تحصى، وأهمها منحه الأهمية التي يستحقها، ولكن هذا التعديل الذي لم يقرر من سيرأس هذا المجلس أبقى المجال مفتوحاً لجلالة الملك أو لمن ينيبه وبخاصة سمو ولي العهد ان يترأس اجتماعاته.
ومع أن الأسباب الموجبة لم تقدم ما يقنع حول إنشاء المجلس إلا أنه في رأيي مجلس في غاية الأهمية، فأعضاؤه الممثلون فيه هم من المسؤولين مثل رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، ومدير عام دائرة المخابرات العامة، واثنين يختارهما جلالة الملك.
وعندما نقول كلمة «الأمن» فما الذي تعنيه هذه الكلمة؟ لقد اصبحت كلمة «الأمن» بمفهومها الشامل الموسع نكسبها صفات كثيرة، فتقول الأمن العسكري، الأمن الاجتماعي، والأمن السيبراني، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي، ومن يريد أن يحاربنا بتهديد أمننا قد يختار وسائل أقل كلفة من ذلك فالأمن الاجتماعي يمكن خلخلته بالاشاعات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والطابور الخامس، وخلق العصبيات الكاذبة عبر الإعلام وغيره من الوسائل.
ومن منَّا ينسى قوة وزير الدعاية النازي «غوبلز» صاحب المقولة التي كان لها وقع كبير على الشعب الفرنسي حين قال على لسان ونستون تشرشل «إن المملكة المتحدة ستحارب ألمانيا حتى آخر جندي فرنسي».
ولا يقتصر الأمن الناعم في أي دولة على الروح المعنوية لمواطنيها وإيمانهم بوطنهم، وبرموزه وأرضه وحدوده وكرامته والوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص ضد ذلك، ولكن الأمن الناعم يشمل «الأمن الاقتصادي». وقد رأينا أن دولاً قادرة على أن تعبث بأمن دول أخرى عن طريق التخريب الاقتصادي ضدها.
وقد صارت الحرب الاقتصادية تأخذ أبعاداً كثيرة جداً. أولها المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، وهذه ممارسة عرفها القدماء، وكان حصار المدن والقلاع الحصينة، ومنع وصول الغذاء والحاجات الأساسية إليها، أو قطع مصادر مياهها هي الوسيلة الأنجع في دفع المدينة المحاصرة إلى الاستسلام.
وقد تطور هذا الأسلوب حديثاً وصار يشمل منع وصول السفن إلى غاياتها، ومن الأمثلة على ذلك أن السودان والجزائر كانتا في القرنين الخامس والسادس عشر منتجتين للحبوب، وعندما كان يحصل جدب في شبه جزيرة ايبريا (إسبانيا والبرتغال) او صقلية، فإن أهلها كانوا يطلبون شراء الحبوب من الجزائر والسودان، ولكن هاتين الدولتين لم تستطيعا بيع القمح والحبوب لأوروبا بدون إذن صريح من الباب العالي في عاصمة الدولة العثمانية (ادرنه ومن بعدها استنبول). وإذا رفض الباب العالي الصفقة لجأ الأوروبيون إلى التعرض للسفن المُحمَّلة بالقمح واستولوا عليها، وتبرأوا من أفعال القراصنة الذين سطوا على تلك السفن، فطلبت السودان والجزائر الدعم من الباب العالي، فجند لهم الملاَّح الشهير، ومن أصول يونانية، خير الدين بارباروسا وأسرته، وقام هؤلاء بمهاجمة كل ميناء أوروبي تخرج منه سفينة تعتدي على السفن المُحمَّلة بالقمح.
وهنالك أساليب حديثة مارستها علينا إسرائيل، فبعد العام 1967، صارت إسرائيل تشتري الدنانير الأردنية بسعر مُغرٍ من المتنقلين بين الضفتين، ثم لما تجمع لها مبلغ كبير، طرحته في أسواق بيروت عبر وكلائها، لكي تخفض قيمة الدينار، واضطر البنك المركزي آنذاك للتدخل من أجل شراء تلك الدنانير الفائضة بكلفة ولكن الدينار حافظ على سعر صرفه واستقراره.
ونرى كيف تهوي أسعار عملات الدول، أو كيف تقوم الدول الكبرى باتخاذ إجراءات مناكفة لبعضها البعض من أجل أن يضعف كل طرف غريمه عن طريق حرب أسعار العملات، وأسواق البورصة، والمواد الخام، والنفط، والمعادن وغيرها، ويكون لكل هذه الإجراءات كلف عالية على اقتصادات الدول النامية والمفتوحة مثل الاقتصاد الأردني.
والأمثلة كثيرة، ولكن الأمن الاقتصادي لا يتأتى عن طريق تجنّب الأضرار والاستعداد لها، بل يكمن أيضاً في جلب المنافع، وبناء الروح الانتاجية والابداعية لدى الشباب، وتجنيد القدرات التكنولوجية لدعم الاستعداد والتسليح العسكري ورفع قدراته ليس في مجال الاختراعات التكنولوجية وتطوير قدرات الأسلحة، بل في ابتكار وسائل انتاج جديدة فعالة، وفي رفع قدرة الحشد ومرونة الحركة، وفي تأمين المخزون الغذائي، وتطوير الأغذية الصحية الداعمة للمقدرات البشرية.
ولا نستطيع ألا نكون مستعدين لما يحمله المستقبل من وعد للأردن في مجال الخدمات اللوجستية والتسويقية، والسياحة المنظمة، والصحة العامة ومحاربة الآفات، وفي تطوير وسائل استخدام المياه في الشرب والصناعة والزراعة، ولا في مجال تطوير الطاقة الشمسية، كل هذا يتطلب منا أن نربط كل هذه الأهداف بالأمن الوطني، وأن يُطوَّر التناغم والتلاحم بين القدرات المدنية والعسكرية لكي ننجز الكثير.
ولا شك أن تحدي الإصلاح الإداري المدني لا يمكن أن ينجز باستخدام نفس الأدوات ونفس المكونات ونفس الطريقة ثم نتوقع نتائج مختلفة، لقد نجحت دول كثيرة في الربط بين الجناحين العسكري والأمني إلى حد أن أصبحت فيه الروح العسكرية في الانضباط والدقة قياس الانتاج بالإنجاز لا بالمحاولات هي السمات السلوكية التي نريد نقلها من العسكر إلى المدنيين.
لقد جربنا وسعينا أن نعيد الخدمة العسكرية، أو الخدمة الوطنية وما زلنا نحاول، ولم يتبلور برنامج من هذا النوع، ولدينا تجارب أخرى في مجالات أخرى مثل تجربة التعاون العسكري المدني في مجال الصحة فأفرزت لنا مدينة الحسين الطبية، ومستشفى الأميرة عالية، وغيرهما من المؤسسات، وخلقت كوادر طبية رفيعة المستوى، فهل يمكن البناء على هذه التجربة؟ هل بالإمكان الاستفادة من القدرات العسكرية في زراعة الأراضي البعل؟ هل بالإمكان تطوير الأمن السيبراني في كلية الأركان على سبيل المثال؟ وهل بالإمكان المزج بين استثمار القطاع الخاص والإدارة العسكرية في تنفيذ برامج استثمارية في بلدان أخرى ترحب بنا؟ الأمن الاقتصادي والاجتماعي واسع جداً، ومجالاته غير محدودة ولذلك فإن النظام الداخلي لمجلس الأمن القومي يجب أن يكون مكاناً تؤخذ فيه القرارات للدفاع عن الدولة إبان الأزمات، وأخذ التدابير الوقائية والعلاجية لأي حَدثْ، ولتعزيز قدرات الوطن، وخلق التناغم بين مكوناته لكي تخلق أكبر قدر ممكن من الطاقة الانتاجية الخلاَّقة التي تجعل مياهه الساقطة من أعلى الجبل تشكل شلالاً هادراً ينتج الكهرباء والطاقة الفعَّالة.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/09 الساعة 00:23