السفير الليبي السابق يكتب عن: عمر مشهور حديثة الجازي

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/07 الساعة 12:41

 مدار الساعة - بقلم: محمد البرغثي سفير ليبيا السابق في الأردن

عمر مشهور حديثة الجازي، وحكاية فارس عربي: 
- الدكتور عمر مشهور حديثة الجازي، محام أردني، متخصصٌ فى قوانين التجارة الدولية، وصاحب خبرة فى مجالات التحكيم التجاري والعقود والملكية الفكرية، وهو رئيس مجلس أمناء جامعة عمان العربية، والرئيس السابق لجمعية المحكمين الأردنيين، وعضو مجلس ادارة مؤسسة عبدالحميد شومان، وعضو مجلس ادارة مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية 
- الدكتور عمر الجازي حاصلٌ على درجة البكالوريوس فى القانون من الجامعة الأردنية ( 1992 )، وعلى درجة الماجستير فى قانون التجارة الدولية من جامعة London Guildhall فى بريطانيا (1994)، وعلى درجة الدكتوراة فى قانون التحكيم التجاري الدولي من جامعة Kent Canterbury في بريطانيا ( 1999) 
- فى ( 2007 ) وصلتُ الى عمان لأستلم مهام عملي كسفير لبلادي لدى المملكة الأردنية الهاشمية، ولقد حرصتُ قبل وصولي الى عمان أن أستفيد من فترة الانتظار التى دامت حوالي عام كامل، نتيجة عدم اتفاق أمانة مؤتمر الشعب العام على قائمة السفراء، خصصتُ وقتًا كافيًا للإطلاع على العديد من الكتب والدراسات والتقارير ذات العلاقة بالأردن ( تاريخيا وسياسيا واقتصاديًا واجتماعيا وثقافيا )، وقد أفادني هذا الجهد كثيرًا فى معرفة الكثير من المسائل والتفاصيل، وكانت توطئة مهمة لاداء عملي بشكل أفضل، حيث تعرفتُ على البلاد قبل أن أعرفها، تعرفتُ على ملوكها ورموزها وعناوينها وأبرز رجالاتها 
- الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، القائد العام الأسبق للقوات المسلحة الأردنية، القائد الذى أقترن أسمه بمعركة ( الكرامة )، الكرامة معركة خاضها الجيش العربي صبيحة 21 مارس 1968 فى مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلي، معركة خاضها الرجال بصبر وشجاعة، وأدارها القائد بكفاءة واقتدار، الملك الحسين ابن طلال القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، يصف العلاقة التى تربطه بالفريق الجازي قائلًا : "لقد كنت ليّ وستبقى أخاً حميماً وعزيزاً، وان ما قمنا به خلال السنين الماضية، ليس سوى استمرار للمسيرة التى بدأها اباؤنا وأجدادنا، كنا دائمًا صدقين وقريبين وعضوين فى مجتمع واحد فى سيرنا نحو تحقيق أهداف أجيالنا الخالدة".
- تعرفتُ على الدكتور عمر الجازي فى فترة مبكرة من وصولي الى الأردن، وجدتُه حاضرًا فى الحياة السياسية والاجتماعية فى عمان، كيف لا، وهو صاحب هذا الإرث الوطني الكبير، لقاؤنا الأول وضع أساساً لعلاقة أخوة وصداقة متينة، فتح الباب لسلسة من اللقاءات والحوارات، تعززت هذه العلاقة بالتعرف على معالي الدكتور ابراهيم مشهور الجازي الوزير صاحب الاختصاص فى القانون الدولي، أقدرُ لأخي عمر حرصه الدائم على دعوتي لحضور العديد من اللقاءات التى كانت تتم فى بيته، والتى ضمت العديد من الشخصيات العربية والأردنية البارزة، وفى هذا البيت تعرفتُ أكثر على شخصية والده بكل تفاصيلها ومواقفها •
- ولد الفريق مشهور حديثة الجازي عام ( 1928 ) فى منطقة الرشادية بمحافظة معان جنوب الأردن، وعن ولادته تحدثت والدته قائلة : "ولد مشهور فى سنة الربيع يوم تحركت بواريد الحويطات "، الحويطات هي القبيلة التى ينتسب إليها الفريق الجازي، الحويطات قبيلة عربية جذورها ضاربة وعميقة فى تاريخ المنطقة، لهذه القبيلة امتدادات فى الاردن والسعودية وفلسطين وسيناء فى مصر وفى البحرين، لعبت قبيلة الحويطات "دوراً كبيرا أثناء الثورة العربية الكبرى، حيث ساهمت في احتلال العقبة ومعان والطفيلة، كما كان لها دور بارز في عهد الإمارة، حيث استقبلت الأمير عبد الله بن الحسين أثناء قدومه إلى معان في نوفمبر ( 1921 )، وتقدموا بالمساعدة، استضافوه حتى تواردت عليه القبائل العربية الأخرى . كما أنهم ساهموا في تأسيس إمارة شرق الأردن وتقديم الدعم والمؤازرة للهاشميين".
- لقد كان طموح مشهور الجازي أن يكون جنديًا فى قوات البادية، سيرًا على خطى والده الذى كان جنديا، وعن قصة التحاقه بالجيش عام ( 1943 ) يقول : "كان قائد الجيش العربي السير كلوب باشا فى زيارة لقريتنا ( الرشادية ) وقد حل ضيفًا فى مضارب جدي، فأردت استغلال هذه الزيارة وهمستُ فى أذن جدي قائلا : ياجدي أريد أن أدخل الجيش، أستغرب جدي مما قلت، ثم أخبر كلوب بطلبي فوافق كلوب باشا على انضمامي للجيش العربي، وركبتُ معه السيارة من بيتنا فى قرية الرشادية الى عمان، وكنتُ حينها قد أنهيتُ الصف السادس الابتدائي ولكنني أتممتُ دراستي وأنا بالجيش "•
- تدرج الجندي العصامي فى مراتب الجيش، حيث واصل تعليمه لينال شهادة البكالوريوس فى العلوم العسكرية من كلية الاركان العسكرية الباكستانية فى عام ( 1958 )، بالاضافة على حصوله على دورات عسكرية متقدمة فى امريكا، وليحمل الرقم ( 505 ) فى الجيش العربي، تولى قيادة كتيبة المدرعات الملكية الثانية ( 1956 )، وفى عام ( 1962 ) شكل وقاد اللواء المدرع ( 40 )، تولى قيادة الجبهة الشرقية ( 1965 )، وعقب حرب يونيو ( 1967 ) كُلف بقيادة الفرقة الأولى التى خاضت معركة ( الكرامة ) •
- من المحطات المهمة فى تاريخ القائد الجازي "مشاركته في معارك عام 1948 وذلك قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث أُسندت إليه مهمة الذهاب الى القدس للمشاركة في جامعة القدس والتي كانت تحت قيادة المرحوم عبد الله التل، وتمحورت مهمته بالذهاب الى بئر السبع لحماية قافلة أردنية تحمل أسلحة وذخيرة متجهة من بئر السبع الى الأردن، وعندما وصلوا لمنتصف الطريق وتحديداً في منطقة اسمها العروب قريبة من بيت لحم وجدوا الطريق مقطوعة بفعل اليهود فعادوا أثرهم، فما كان من اليهود إلا أن قاموا بقصفهم قصفاً شديداً بالهاون والراجمات والرشاشات وقد جُرح المجاهد مشهور الجازي في معارك عام ( 1948)، وتم نقله الى القدس لعلاجه، كما استشهد خاله نائل الجازي".
- وعن معركة ( الكرامة) يتحدث الفريق مشهور حديثة الجازي قائلًا : "أما عن الناحية المعنوية للمقاتلين فقد جعلتُ عودة الروح القتالية للجنود وتشوقهم للانتقام من مغتصب أرضنا المقدسة أولى أولوياتي، تدافعوا لملاقاة عدوهم الشخصي، إن جاز لي التعبير، وهذا جعل الأمر يبدو في غاية الكمال، ولم يكن هناك تكافؤ لا في العدد ولا في العدة بيننا وبين العدو الصهيوني ولكن الإيمان والصمود وقرار الدفاع عن الوطن مهما تكن التضحيات مكننا من تحقيق النصر المؤزر لنسقط مقولة العدو ( أن الضابط العربي دائما خلف جنوده) حيث أصبح أمامهم بكل بسالة وشجاعة، وقد فرضتُ على الضباط أن يتواجدوا قدر الإمكان إلى الأمام، وفي القيادات المتقدمة، حتى يرفعوا الروح المعنوية لجنودهم، وحتى يأخذوا القرار السليم أيضا، هذا الأمر لم يكن متوفرا في أساليبنا وتكتيكاتنا السابقة، حيث يكون القائد في الخلف حوالي 20 كيلومترا في بعض الأحيان ويتصرف من خلال التقارير والأخبار، نحن خلقنا هذا التكتيك، لأن الأمر بالنسبة لنا حياة أو موت، وأسقطنا استراتيجيات الانسحابات الخلفية لان انسحاباتنا تجعلنا أشبه بالمهزومين".
- ويضيف القائد الجازي : "صمدت قواتُنا الأردنية في وجه الغارات الإسرائيلية التي لم تسبق أن واجهت مثيلا لهذا الصمود من قبل، بالإضافة إلى كثافة نيران المدفعية وكثافة الدروع المهاجمة دون أي غطاء جوي، إلا أن صمودنا جعل العدو يتراجع لأول مرة ويطالب بوقف إطلاق النار، وذلك بعد مرور 18 ساعة عن بدء المعركة، إلا أن الملك الحسين رحمه الله رفض ذلك ما دام هناك جندي إسرائيلي واحد شرقي النهر".
- يرى الفريق الجازي أن القائد الميداني هو من يتحمل المسؤولية : "القائد الميداني لا يأخذ الأذن، أنا لم أنتظر أوامر، أنا لدي أستراتيجية واضحة، أن أواجه أية قوة معادية للأردن، أنا فى معركة مفتوحة فى مواجهة عدو، عليّ أن أقاتله، وأبلغ قيادتي، لكن لا أقول لهم : هل أطلق النار، أو ما أطلق النار ؟ عندئذ أصبح ( ناطور) ولستُ مقاتل، لذلك أستخدمتُ صلاحياتي، وهى صلاحيات صحيحة عسكرية ميدانية قتالية، لا أقول ( ماكو ) أوامر، لا بل ( أكو) أوامر"
- فى معركة الكرامة قاتل الفدائي الفلسطيني الى جانب الجندي الأردني، وفى هذا الشأن يؤكد القائد مشهور الجازي قائلًا : "أنا مواطنٌ عربي يحب فلسطين، ويقاتل من أجل فلسطين والقدس الشريف، محبتي للأردن تساوي محبتي لفلسطين، فلسطين والأردن بلد واحد ودم واحد، وعندما أستطعتُ أن أمزج الدماء مع بعضها، أعتقد أنا هذا أكبر دليل على أننا قاتلنا بشرف من أجل قضية، وليس من أجل أشخاص "•
- رحم الله الفارس العربي الفريق مشهور حديثة الجازي، الرجل الذي حظي بالاحترام والتقدير، وكما عبرت عن ذلك رفيقة دربه المرحومة ( أم رمزي ) : "كلنا أحببناه، لأنه شجاع، ودائم التوكل على الله، وكان مُحباً للعرب والعروبة".
- أعتز كثيرًا بالعلاقة التى جمعتني بهذا البيت العربي الكبير، وبالاخ العزيز الدكتور عمر الجازي، صاحب الخلق الرفيع، والثقافة الواسعة، والفهم السياسي العميق، والمواقف الطيبة، له مني ولأسرته الكريمة كل التقدير والاحترام 

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/07 الساعة 12:41