«الإعلانات المخفية»: هكذا يجري استهداف «الحلقة الأضعف» عبر السوشيال ميديا

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/05 الساعة 18:09

 مدار الساعة - «صناع المحتوى يشاركون في استهداف الفئات الأضعف من الأطفال والمراهقين بالإعلانات المخفية» 

 
الإعلانات، ذلك الشيء الذي تدور حوله كل تقنيات شبكات التواصل الاجتماعي الباحثة عن الربح، تشعر بأن الكون كله الآن يدور حول الإعلانات، وكيفية إيصال الإعلان الملائم للشخص في التوقيت الصحيح، «فيسبوك» و«يوتيوب» وغيرها، أصبحت لا تقوم بتطوير شيء إلا كي تتمكن من معرفة المزيد عن سلوكياتنا كي تتمكن من استهدافنا بإعلانات موجهة، والأمر يتطور، ففي البداية كانت للإعلانات أماكن واضحة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم كان يمكننا تجاهلها، لكن في الآونة الأخيرة ربما نقر بعضنا على إعلان ما أثناء تصفحه «فيسبوك»، لأنه لم يكن يعلم أن ما يضغط عليه إعلان.
 
أصبحت الإعلانات الآن تأخذ أشكالًا غير متوقعة وتبدو كأنها جزء من المنشورات الطبيعية على «فيسبوك»، فربما يكون الإعلان على شكل ميم، أو بوستر كوميدي، أو ما شابه. تسمى هذه التقنية من تقنيات تسويق المحتوى باسم «الإعلانات المخفية»؛ لأن هذا النوع من الإعلانات يخفي طبيعته التجارية، بل إنه لا يحتوي على أي عبارة تحث المستخدم على اتخاذ إجراء، مثل كلمة «اشتر هذا»، بل إنه لا يوجد حتى ارتباط واضح بالمنتج أو الخدمة التي يعلن عنها، هذه الطريقة في تسويق الإعلانات ترتبط بتعزيز المشاعر الإيجابية لدى المستهلك، كون الإعلانات المباشرة تمثل شيئًا سلبيًّا لا يفضله الناس.
 
الإعلانات المخفية.. وسيلة أقدم مما قد يخطر ببالك
الإعلانات المخفية ليست شيئًا جديدًا بالطبع؛ ففكرة وضع منتج ما في الخلفية دون أن يظهر كإعلان بشكل مباشر هي تقنية موجودة منذ منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر. الأمثلة الواضحة هنا هي قيام الشركة بالدفع لصانع محتوى ترفيهي (فيلم أو مسلسل أو فيديو موسيقي) ليضع منتجه وسط المحتوى، ومن ثم، شاهدنا العديد من الأفلام الشهيرة التي تحتوي على منتجات بصفتها جزءًا من الفيلم.
 
ربما يتذكر بعضنا فيلم «Cast Away» للممثل الشهير توم هانكس، والذي يتحدث عن المدير التنفيذي لشركة «FedEx» الذي يجد نفسه وحيدًا على جزيرة نائية، في هذا الفيلم كان هناك إعلان لشركة «FedEx» لنقل الطرود بشكل يظهر كأنه جزء من محتوى الفيلم ذاته، في أفلام أخرى كان يمكنك ملاحظة ظهور منتجات مثل «بيبسي» أو سجائر «مالبورو» وغيرها الكثير.
 
الجديد الآن هي عملية الجمع بين تسويق المحتوى عبر الإعلانات المخفية وبين وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الجمع خلق شيئًا أكثر قوة وتأثيرًا من الشكل التقليدي للإعلانات المخفية في الأفلام وغيرها؛ فعندما يكون المنتج المباع يسبب الإدمان، أو يحتمل أن يكون خطيرًا، فإن تأثير الإعلانات المخفية هذه في الجماهير الأكثر ضعفًا ينذر بالخطر، وبالطبع، نقصد بالجماهير الأكثر ضعفًا هنا هم فئة الأطفال أقل من 18 عامًا، والذين يستهلكون مواقع التواصل الاجتماعي بنهم لا يصدق.
 
الإعلانات والمشاعر الإيجابية.. هكذا يتحول «المنتج» إلى صديق ودود
قبل أن نتطرق إلى الأطفال وأثر الإعلانات المخفية فيهم، ربما علينا أولًا معرفة بعض التفاصيل حول طرق تسويق المحتوى والإعلانات المخفية التي تتبعها الشركات الآن، فإذا كنت مالك علامة تجارية كبيرة، فما هو الشيء الذي تبحث عنه للوصول إلى الناس؟
 
في السابق كان الأمر يتعلق بالوصول، أي أن تصل علامتك التجارية إلى أكبر قطاع من الناس، لكن الآن، تبحث العلامات التجارية عن تكوين ارتباطات عاطفية إيجابية في أذهان المستهلكين، فإذا نجحت في ذلك، فلن تحتاج إلى إجراء عملية بيع صعبة للمنتج لأن المستهلك مرتبط بالمنتج عاطفيًّا، ومن ثم سيفضل شراءه دون غيره من المنافسين تلقائيًّا.
 
تخيل الآن أنك شخص عادي تشاهد فيلمًا أو فيديو ممتعًا على «يوتيوب»، ثم ظهر لك إعلان وسط الفيديو عن مشروب غازي ما، كيف ستكون مشاعرك؟ في الغالب، ستكون مشاعرك تجاهه سلبية، لأنه قطع عليك متعتك المرتبطة بما تشاهد؛ لذلك، فإن الدعوات المباشرة من الشركات للبيع تقوم بعكس ما يفترض، أي إنها لا تكوِّن ارتباطات عاطفية إيجابية.
 
فقد أظهرت الأبحاث كيف يؤدي هذا النوع من البيع المباشر والإعلانات الواضحة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى قيام المستهلكين ببناء دفاعات عقلية تقف حائلًا دون رغبتهم في الشراء؛ لتجنب ذلك، تصمم إعلانات تسويق المحتوى بهدف إحداث أقل قدر ممكن من «المشاركة المعرفية»، أي إنها لا تهدف لمشاركتك معلومات عن المنتج، بدلاً من ذلك، تصمم الإعلانات لخلق شعور غامض دافئ أو لجعل الجمهور يضحك.
 
بهذه الطريقة، تتحول العلامة التجارية من مجرد شخص ينادي عليك لشراء منتجه إلى صديق ودود، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الصديق يكتسب متابعين لأنهم يحبون أي إعلان ويعلقون عليه ويشاركونه، ومن ثم، يكتسب هذا الصديق زخمًا وينتشر بين المستهلكين بشكل أسرع.
 
لنعطي مثالًا، إذا كنت أحد عشاق كرة القدم الأوروبية، ثم وجدت منشورًا يضع لك صور أربعة لاعبين، كريستيانو رونالدو، وليونيل ميسي، ورونالدينهو، وديفيد بيكهام، ويوجد سؤال يقول: إذا كنت تحتاج للفوز في آخر دقيقة وجاءت لك ضربة ثابتة، فأي من هؤلاء تختار؟
 
تلقائيًّا ستحاول المشاركة والرد على هذا المنشور باسم لاعبك المفضل دون النظر إلى طبيعة الصفحة التي قامت بنشر هذا المنشور، بل وقد تقوم بمشاركة المنشور على صفحتك ليراه أصدقاؤك ويعطوا رأيهم، وإذا تكرر الأمر معك عبر الصفحة نفسها، فربما تعمل لها إعجابًا حتى تصلك منشوراتها بانتظام، كل هذا دون أن تلاحظ أنها صفحة للمراهنات.
 
قد لا تلاحظ ذلك، لكن في منطقة ما من دماغك ينشأ هذا الرابط اللاشعوري مع هذه العلامة التجارية قائلًا إن هذا المنتج مضحك ورائع، وربما تبدأ تلقائيًّا في التفاعل معه دون أن تدري.
 
ومن أين يأتي الضرر؟
نأتي هنا إلى الجزء الأهم، الأطفال، فإذا نظرنا إلى ما ذكرناه، فلا يبدو أن هناك أي أذى ناجم عن هذا الأسلوب في التسويق، هذا ليس صحيحًا تمامًا؛ فليست كل العلامات التجارية لديها الحوافز نفسها، فبينما تبيع بعض العلامات التجارية الدجاج، تبيع علامات أخرى منتجات مسببة للإدمان، ويحتمل أن تكون خطرة مثل الكحوليات والقمار.
 
تظن أن الأمر به بعض المبالغة؛ إذ إنه بالتأكيد سيرفض الأطفال هذا النوع من الإعلانات لأنها لا تناسبهم، أليس كذلك؟ حسنًا، لنأخذ العلامات التجارية للمقامرة على سبيل المثال، حللت دراسة حديثة أكثر من 888 ألف إعلان مقامرة على «تويتر»، وجدت الدراسة أن 40% من هذه الإعلانات كانت من النوع الذي يتبع تسويق المحتوى عبر الإعلانات المخفية.
 
هذا يعني أن الدفاعات العقلية الموجودة في رأس الأطفال تجاه هذه المنتجات الضارة لن تعمل كما ينبغي، لأنها ليست إعلانات مباشرة، ومثل هذه الإعلانات تستهدف بالفعل فئة الأطفال والشباب صغير السن، من بينهم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن السن القانوني للمقامرة.
 
فالدراسة أظهرت أن هذه الفئة العمرية هي الأكثر استجابة لعمل الإعجابات والمشاركات والمتابعات لهذه الصفحات الخاصة بالمقامرة بسبب إعلاناتها الخفية، قس الأمر نفسه على السجائر ومشروبات الطاقة والأطعمة غير الصحية، وغيرها من المنتجات التي تسبب ضررًا كبيرًا بصحة الأطفال العقلية والجسدية.
 
الحلقة الأضعف: الأطفال والشباب
يتمتع الأطفال وصغار السن بمهارات أقل في التعرف إلى الإعلانات مقارنة بالبالغين، فهم لا يتمتعون بالخبرة الكافية لذلك. والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عامًا هم أكثر عرضة للتفاعل مع هذه الإعلانات بشكل فعال؛ لأن بنية الدماغ عندهم تخضع لتغيرات جذرية بسبب سن البلوغ؛ مما يؤثر في قراراتهم.
 
عند تقديم الإعلانات المخفية لهؤلاء، يكاد يكون من المستحيل على الأطفال التعرف إلى النية المقنعة التي تقف خلف هذه الإعلانات، وبينما قد يكون الشباب قادرين على إدراك أن المنشورات هي نوع من الإعلانات، فإنهم يجدون صعوبة أكبر بكثير من كبار السن في مقاومة هذه الطريقة المستخدمة في الإقناع، لذلك من غير المحتمل أن تقدم أي من المجموعتين (الأطفال والشباب) الحجج العقلية المضادة اللازمة لمقاومة الانخراط في هذا النوع من المحتوى الإعلاني.
 
إحدى الدراسات سلطت الضوء على هذه النقطة، فنظرت في قياس ردود فعل ثلاث فئات من المشاركين حول هذا النوع من الإعلانات، المجموعات الثلاثة شملت الأطفال بين 11 و16 عامًا، والشباب بين 17 و24 عامًا، وأخيرًا أولئك الذين تزيد أعمارهم على 25 عامًا.
 
كانت الإعلانات المخفية جاذبة لجميع المجموعات الثلاث من الإعلانات التي تحتوي على عبارة واضحة تحث المستخدم على اتخاذ إجراء للشراء، لكن جاذبية تسويق المحتوى للأطفال والشباب كانت أكبر بنحو أربعة أضعاف من جاذبيتها لأولئك الذين تزيد أعمارهم على 25 عامًا.
 
عندما تنظر إلى حجم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين فئتي الأطفال والشباب الصغير، سيمكنك أن تكشف مدى المعضلة والخطر الذي يحدق بهؤلاء نتيجة هذا النوع من المحتوى الإعلاني الذي يمكنه أن يوجههم إلى حيث يريد.

 

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/05 الساعة 18:09