الفايز يكتب: المشعوذون والدولة الأردنية

مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/02 الساعة 00:40
أطرف وأسخف ما قد يعتقده البعض ممن يتابعون حظوظهم في قائمة الأبراج، أو انتظار فتاوى غيبية لمشعوذين وعرّاف، يصدقهم الناس البسطاء ويعيشون فعليا على توقعات ليس لها أي دليل علمي ولا عملي، بل إن هناك من لا يخرج من بيته إلا بعد أن يتابع قنوات الشعوذة والتوقعات الهزلية، وكل ذلك لجهل مطبق عند تلك الفئة البسيطة، ولكن يبدو أن جماعة العرّافة والتنجيم الكاذب قد تجاوزوا حدود الإبصار ليروا مستقبل الأيام القادمة للدولة الأردنية، فأحدهم نقلت عنه الأخبار بأن الأردن على موعد مع يوم أحمر، ولا ندري كسياسيين هل سيسفك الدم القاني كما يشتهون لا قدر الله أم هو يوم النحر، أم هي أماني للمتربصين؟ الشعوذة والعرافة هما حقيقة موجودة منذ فجر التاريخ، وكان في زمن الاباطرة والأنبياء وزمن الجاهلية العديد من العرّافين المتجانسين مع الجن، بل إن في العصور الوسطى كانت العرافات في أوروبا شأنهن أكبر من سلطة البابا وسلطة الملوك، ما حدا بأكثر من إمبراطور لجمعهن وإحراقهن، وفي العالم العربي كان هناك رؤساء جمهوريات يتعاملون مع عرافة مشهورة، كما ذكر عن الرئيس الفرنسي الراحل ميتران أن له عرافة متخصصة تدعى اليزابيث تيسيه، وكذلك رونالد ريغن، وكل ذلك ضرب من خيال وسوسة شيطانية، أما أن نحتفل بالعام الجديد على رؤى أشخاص لا يعرفون من سيطرق بابهم فتلك الطامّة. الأردن لا يحتاج الى مشعوذ ليستقرئ مستقبله، بل بحاجة الى وعيّ وعمل صادق وجهد مضن لإعادة ما هشمه البعض من الصورة الحقيقية لهذا الوطن الذي بات بين حجري الرحى، فرغم أعداد مهولة من المتعلمين والمتبصرين وأجيال تسابق الريح للوصول الى مربع الخلاص، فإن هناك من المشعوذين السياسيين الذين يختبئون خلف ابتسامات صفراء، ويجيدون تطبيق ما لم يستطعه أحد قبلهم من إدخال أنظمة ومعايير وسياسات اجتماعية واقتصادية وهياكل سياسية حاول من قبلهم ولم يفلحوا، ولكنهم لا يكلّون ولا يملّون في جهادهم لتغيير تركيبة المجتمع، وليت ذلك للأفضل بل هو للأسوأ ما يستدعي انتباه لكل ما يجري اليوم من تفخيخ في القوانين المستوردة. اليوم وقد بدأنا عاما جديدا، حري بنا أن نتجاوز أخطاء الماضي، وان تعمل المنظومة الرسمية لصيانة حاضر ومستقبل هذه الدولة التي عانت منذ نشوئها مصاعب عديدة، وتأخيراً ممنهجاً في الوصول الى الاكتفاء، وعندما دخلنا المرحلة الذهبية للدولة الأردنية منذ بداية الستينيات حتى العقد الأخير من القرن الماضي، بدأنا نركن الى وصفات من صناديق النقد والإقراض، وتساهلنا في فتح أذرعنا لطلبات ولا نقول لاملاءات فرضت علينا، فهذا يخجلنا، حيث استقبلنا أكثر من أربعين جنسية، وتقاسمنا الموارد مع الجميع، وباتت المدن الرئيسة نسخاً مصغرة عن جاكارتا من تكدس للبشر وتلوث للبيئة وبطالة مقنعة وخضوع لرأس المال. فهلا أخبرنا المشعوذون الذين استضافتهم القنوات المحلية والعربية متى تنتهي حروب العرب، أو متى يعود اللاجئون الى بلادهم، أو متى تنتهي حالة الوباء المتحور والمتبدل، أو متى يجلس العقلاء على مقاعدهم الحقيقية لإعادة إنتاج عالم عربي محترم تسوده الحرية الملتزمة والرفاه الشعبي والالفة بين المواطنين وسيادة القانون واحترام الناس بعضهم لبعض، وتناقص عدد جرائم القتل، والحفاظ على حقوق الفقراء، وإسكان العلماء في مقاعدهم الحقيقية، وإزاحة الجهلاء عن شاشات العرض المستمر، أو متى تغزو دولة عربية دولة أجنبية وتستعمرها ليومين مقابل استعمار أوروبا القديم لنا؟ المهم في القصة أن نتخلص من المشعوذين الذين لم تفلح توقعاتهم يوما منذ سنين بعيدة، حتى لو قدمنا أطفالنا قرابين لهم. Royal430@hotmail.com الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/01/02 الساعة 00:40