أسرار وتفاصيل إعلان النوايا
منذ أكثر من شهر ما زالت قضية الاتفاق الثلاثي بين الاردن وتل أبيب والإمارات لتبادل الكهرباء الخضراء مقابل المياه تثير جدلا عبر أوساط الرأي العام، وتحملت الحكومة ممثلة بوزير المياه الجانب الأكبر من السخط، ورغم تصريحات وزيرها محمد النجار المقتضبة وعنوانها أن الاتفاق لم يتجاوز جملة «إعلان النوايا» ويتبعها دراسات معمقة تتصل بوزن الاتفاق كمصلحة أردنية، والفائدة النهائية من الاتفاق مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، فإن أصوات الرفض تزايدت والتنديد يتعالى بمجرد ذكر الحدث، ولا يملك أحد أي تفاصيل عن ذلك الاتفاق الذي بدأت ?لأطراف الدخول فيه.
القصة بدأت مبكرا منذ أكثر من أربعة شهور، وبعد تعيين مبعوث الرئيس الأميركي للمناخ جون كيري الذي جال في عدة دول وآخرها الأردن، إذ تلقت الإدارة الاردنية طلبا من مصادر إماراتية لاستئجار مساحات كبيرة من الأراضي في جنوب الأردن لإقامة أكبر حوض للطاقة الشمسية في المنطقة، وبدأ الحديث عن أوجه الاستثمار، حتى صرح الجانب الإماراتي بأن الغاية من المشروع هي تزويد إسرائيل مباشرة بالطاقة الكهروشمسية لمساعدتها بدعم الطاقة الخضراء لغايات التصنيف المناخي، وهنا وقف المرجع الأردني على قدميه ليسأل: وما الفائدة التي ستعود علينا؟ ?كان الجواب ندفع مقابل الإجارة ونتفق على التعويض عن كل ميغاوات يصدر الى هناك، وحينها جاء الجواب بالرفض من الجانب الأردني وطوى الصفحة.
بعد فترة وجيزة تم الاتفاق مع الشركة الاماراتية على الاستمرار في المفاوضات والوصول الى اتفاق، وهذا ما حصل، ولكن الجانب الأردني وضع الشروط التي يرى أنها لمصلحته الوطنية، حيث بدأ التفاوض على أسس جديدة، إذ اشترط الجانب الأردني ألا يعتمد مبدأ التأجير وحسب بل قال: مصلحتنا أن نبادل الطاقة النظيفة بالمياه من الجانب الإسرائيلي، وأن تكون الشروط والاتفاقات واضحة وبمدد زمنية محددة، فالكهرباء التي تريدها تل أبيب في أيدينا، والمياه المحلاة بمعاونة الكهرباء المستجرة من الأردن في الجانب الإسرائيلي، وكل ميغاوات يصّدر سنأخذ?مقابله مياهاً فوراً، فنحن بأمس الحاجة لها حتى خمس سنين قادمة إذا تم المشروع.
تمت الموافقة المبدئية على الشروط الأردنية وتم تعيين موعد جلسة الإعلان المبدئي وكان المكان في قمة البيئة والمناخ في غلاسكو بالمملكة المتحدة، ولكن قبل ذلك بيومين تراجع الطرف الإسرائيلي قدما الى الخلف، والسبب في أن موعد التوقيع في غلاسكو يستبق موعد جلسة الكنيست لمناقشة الموازنة العامة، فتم تأجيلها الى وقت ومكان آخر، حتى وصلت الإدارة الأردنية لقناعة بأن الاتفاق لن يحدث وبدأت تسقط فرضية العودة للاتفاق، وذلك بعد تدخل طرف رابع رفض المساحة الشاسعة لمشروع الحصاد الكهربائي، ورفض دخول الشركة الإماراتية التي ستدير الم?روع وتتحمل تكاليفه.
وبعد أيام من المحاولات مع عمان، تمت إعادة عمليات التفاوض المعقدة، وتم تكليف الحكومة باتخاذ إجراءتها وممثلها وزير المياه وطاقمه للوصول الى نقطة التقاء حول الكيفية التي سيتم البدء بها، حتى جاء الوقت الذي طُلب من المسؤولين المعنيين التحضير للسفر الى دبي مع عدم اليقين بانعقاد النية، وحينها بدأت الاتصالات لترتيب وصول وزير المياه ومن معه للتوقيع، وقد سافر الطاقم في منتصف الليل الى دولة الإمارات وكانت المفاجأة أن الترتيبات كانت جاهزة وبشروط الأردن الكاملة، وأهمها حق الاستخدام كما يراه مناسبا، وتحديد الفترة الزمان?ة بما لا يقل عن خمسة وعشرين عاما، وتم توقيع إعلان النوايا.
هذا كله وأكثر منه يوضح لنا كيف تضيع الحقائق بين الإشاعات، لأن المسؤول يخشى أن يخرج على الناس شاهرا لسانه ويقول لهم الوقائع المجردة، وماذا لو حدث ذلك وماذا لو لم يحدث، مع الأخذ بعين الاعتبار أزمة المياه التي لم تلسعنا نارها بعد، وحتى لو تم الاتفاق على أكبر من هذا الإعلان فما الذي يمنع من التصريح به علانية، ليكون النقاش على مستوى سوي مع المقاربة للمصلحة العامة، وماذا لو لم يتم المشروع أسنبقى ندفن رؤوسنا في الرمال؟
وبما أن الحديث هو عن مجابهة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فإن سبعة وعشرين عاما من معاهدة وادي عربة تشهد على استجرار المياه من بحيرة طبريا حتى اليوم، رغم رفض المعسكر اليميني أي اتفاق مع الأردن لتزويده بالماء حتى إعلان النوايا يرفضونه، وبمناسبة الحديث عن المياه النظيفة، على المسؤولين استباق الإشاعات بالحقائق وليتهم يفكرون ببنك للمياه مع الجارة السورية ايضا.
Royal430@hotmail.com
الرأي