الاقتصاد قوي والصناعات الثقيلة والخفيفة متميزة والسياحة متفوقة عالميا.. فما الذي يجري لليرة التركية إذن؟

مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/10 الساعة 15:26
مدار الساعة - الاقتصاد التركي قوي، والصناعات الثقيلة والخفيفة متميزة، والسياحة متفوقة عالميا، والخدمات اللوجستية التركية عملاقة داخل أراضيها وفي دول البلقان ودول عديدة، إذن ما الذي يجري حقا لليرة التركية؟ فما هو السبب وراء اقتراب صرف سعر الدولار بعد ظهر اليوم الجمعة من حاجز الـ ١٤ ليرة تركية، مسجلا بذلك رقما قياسيا جديدا على الإطلاق؟ خبراء ماليون تحدثت معهم مدار الساعة اشاروا الى العديد من الاسباب، آخرها العوامل الاقتصادية. بينما تركز كثير من التقارير الإخبارية على تراجع الليرة التركية وارتفاع معدل التضخم في البلاد، فإنها أغلبها تتجاهل التحسن اللافت في المؤشرات العميقة للاقتصاد التركي، والتي حققت نمواً استثنائياً، وأبرزها تحسن الحساب الجاري والسياحة والصادرات التي حققت رقماً قياسياً. العملة التركية تراجعت الجمعة أمام نظيرتها الأمريكية، مع استمرار مخاوف المستثمرين بشأن أسعار الفائدة المنخفضة وارتفاع التضخم مما دفع الليرة صوب انخفاض قياسي بلغته الأسبوع الماضي. وانخفضت العملة التركية إلى مستوى 13.9268 ليرة للدولار، بحلول الساعة 12:45 بتوقيت موسكو، وسجلت الليرة أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 14 ليرة للدولار الأسبوع الماضي. وفقدت العملة التركية 46% من قيمتها أمام نظيرتها الأمريكية هذا العام، وقال وزير المالية والخزانة التركي الجديد نور الدين النبطي أمس الخميس إن عجز الميزانية سيقل عن 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. تاريخيا كانت الليرة التركية تعاني من أزمات متكررة، قبل تولي حكومة حزب العدالة والتنمية الحكم في مطلع الألفية الحالية، كانت الليرة التركية هي الأدنى سعراً بين عملات العالم، حيث كانت تساوي مليوناً و65 ألف ليرة مقابل الدولار، وبعد النجاحات التي حققها الحزب ثبت سعر الليرة لفترة، وتم إصدار عملة جديدة ألغيت فيها الأصفار الستة، ومازال بعض كبار السن في تركيا يقولون عندما يبيعون أو يشترون كلمة "مليون ليرة" بدلاً من ليرة، حيث تعودوا لعقود على أن مليون ليرة باعتبارها وحدة الشراء. ويشبه الجدل محتدم بين سياسة رئيس الوزراء التركي أردوغان المُصر على تخفيض سعر الفائدة وبين المحللين الماليين العالمين، الذي يمثل كثير منهم مصالح المؤسسات الدولية، نظيره السابق بين رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في طريقة التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية خلال تسعينيات القرن العشرين، حين رفض مهاتير توصيات صندوق النقد وغيره من المؤسسات الدولية والمحللين ورجال الأعمال الدوليين برفع سعر الفائدة والتوجه نحو سياسات انكماشية، وفي النهاية كانت ماليزيا من أولى دول جنوب شرق آسيا خروجاً من الأزمة التي تفاقمت في الدول المجاورة مثل إندونيسيا. هنا علينا ان نستشهد بالتجربة اليونانية التي اطاعت فيها أثينا الاتحاد الأوروبي ماذا كانت النتيجة؟ تتشابه التوصيات الانكماشية الحالية لتركيا بالأجندة الانكماشية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على اليونان خلال أزمتها المالية عام 2010، التي أدت إلى أزمة اقتصادية خطيرة وصلت إلى بيع اليونانيين لفضياتهم بعد أن تم تخفيض رواتبهم ورواتب تقاعدهم. اليونان التي اتبعت توصيات الاتحاد الأوروبي وبعد مرور سنوات على الأزمة وما تبعها من تقشف، إضافة إلى تدفق عشرات المليارات من الأموال الأوروبية لليونان، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي في اليونان يعادل ضعف تركيا، ولكن واقعياً فإن هذا المتوسط عندما يقاس بالقوة الشرائية للدولار في كل بلد، وهو مقياس أكثر دقة لأنه يراعي فارق الأسعار، نجد أن نصيب المواطن التركي يصبح أعلى من نظيره اليوناني، ومعدل البطالة في اليونان أعلى، وتركيا أفضل في مؤشرات الصحة المالية، والحريات التجارية، وفاعلية القضاء، علماً بأنه تاريخياً كان الوضع الاقتصادي في اليونان أفضل من تركيا حتى في ظل الدولة العثمانية، نظراً للطابع البحري والتجاري للاقتصاد اليوناني. ولكن لماذا تواجه الليرة التركية هذه الضغوط رغم النمو الاقتصادي التركي؟ يمكن القول إن أسباب الضغوط على الليرة التركية متعددة وعميقة، ويختلط فيها ما هو شخصي وسياسي بالجغرافي والجيولوجي. اقتصاديون تحدثت معهم مدار الساعة يرجعون بالسبب إلى أن التضخم الذي يعاني منه الاقتصاد التركي، مردّه الأزمات والخلافات السياسية والاقتصادية. ويذهب بعض المحللين الى أن خلافات ايديولوجية هي الاكثر أهمية وراء هبوط الليرة التركية والتي تهدف للضغط على انقرة. "اللعب مع الكبار ليس أمرا سهلا". هذه هي الرسالة. التقديرات في ان البنك المركزي التركي في حال عمد الى رفع الفائدة على الليرة التركية لمستويات عالية، فإن هبوط الليرة التركية سيستمر، بل وإن الاحتمال هنا ان يتخطى الدولار حاجز ال ١٥ ليرة قبل نهاية العام الحالي. ويظل واحداً من أهم العوامل السياسية الدافعة لتراجع الليرة هو الخلافات السياسية بين تركيا مع الغرب، خاصة بعد الانقلاب، سواء الخلافات مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، مثل الخلاف الأمريكي التركي بشأن القس برانسون، الذي كان محتجزاً في تركيا، وصفقة صواريخ إس 400 التي اشترتها أنقرة من روسيا. صحيح أن الاقتصاد على الورق سهل، يمكن لخبراء الاقتصاد الحديث عن طرائق تطويره بإسهاب، لكن الواقع أن التجارب الاقتصادية في العالم هي عملية سياسية واقتصادية واجتماعية مركبة أخطر من أن تترك للاقتصاديين وحدهم، ولهذا سيكون على أردوغان عبء إثبات مدى صحة أو خطأ هذه المقولة، مثلما فعل مهاتير محمد قبل أكثر من 20 عاماً.
  • مدار الساعة
  • اقتصاد
  • مال
  • وزير
  • الدين
  • رئيس
  • أعمال
  • صحة
  • عالية
مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/10 الساعة 15:26