قارة مفقودة منذ 100 مليون سنة عادت للظهور

مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/01 الساعة 14:09

 مدار الساعة - بعد مسحٍ استمر لأكثر من عشر سنوات، اكتشف الجيولوجيون قارةً مفقودة في البحر الأبيض المتوسط تدعى أدريا الكبرى التي كانت موجودة منذ 100 مليون سنة وربما كانت مكانًا رائعًا للغوص. وقد أكل دِثار الأرض معظم هذه القارة إلا أن أجزاءً منها لا زالت موجودة.

 
كتب فرانك جاكوبز، المولع بالخرائط والأطالس وما تحويه من قصص، تقريرًا نشره موقع «بيج ثينك» الأمريكي تحدث فيه عن خبايا قارة أدريا الكبرى والأجزاء الي كُتبت لها النجاة من هذه القارة، ولا تزال موجودة في عالمنا حتى اليوم.
 
جيولوجيا معقَّدة
يقول فرانك: ليست كل أخبار القارات المفقودة عبارة عن أساطير، فهناك قارة تأكدنا من وجودها علميًّا للتو. وكانت قارة أدريا الكبرى قد انفصلت عن شمال أفريقيا قبل 240 مليون سنة، وبعد حوالي 120 مليون سنة، بدأت القارة تغرق أسفل جنوب أوروبا ولكن بقيت أجزاء منها منتشرة عبر سلاسل الجبال المحلية.
 
 
 
وأوجه التشابه الجيولوجي في تلك الجبال هي التي دفعت العلماء إلى افتراض وجود قارة قديمة في البحر الأبيض المتوسط. لكن جيولوجيا المنطقة معقدة جدًّا، ولم يكن بالإمكان إنتاج مخطط جيو تاريخي لتلك الكتلة الأرضية السابقة إلا بعد التطورات الحديثة في مجال الحوسبة، ومسحٍ دام لعشر سنوات بقيادة فريق دولي من العلماء. وهذه أول خريطة لآخر قارة مفقودة في العالم.
 
يبدأ تاريخ أدريا البالغ 100 مليون سنة قبل ربع مليار سنة، حيث كان العالم مكانًا مختلفًا في ذلك الوقت؛ إذ كان يتعافى لتوه من الانقراض البرمي الثلاثي الذي كاد يقضي على كل شكل من أشكال الحياة على كوكب الأرض. وكانت الحياة قد بدأت تدب فيه من جديد عندما بدأت الديناصورات والثدييات باستيطان الأرض.
 
تفكك القارة العظمى
يلفت الكاتب إلى أن جيولوجيا الأرض كانت تسير في مسار خاص بها وهو التفتت. وفي ذلك الوقت، تجمعت كتل اليابسة على كوكب الأرض في القارة العظمى بانجيا.
 
ومنذ حوالي 240 مليون سنة انفصلت قطعة من الصفيحة القارية بحجم جرينلاند عن ما كان سيصبح شمال أفريقيا، وبدأت تنجرف شمالًا. ومنذ ما بين 100 – 120 مليون سنة، اصطدمت القارة بجنوب أوروبا. ومع أن سرعة الاصطدام هذا لم تزد عن 3 إلى 4 سم في السنة، فإن المطاف انتهى بها إلى تحطيم القشرة التي يبلغ سمكها 100 كيلومتر.
 
 
 
ودُفع معظم الصفيحة القارية تحت جنوب أوروبا وابتلعها دِثار الأرض في عملية تعرف بالاندساس أو الغوص. ولا يزال بإمكان الموجات الزلزالية اكتشاف الصفيحة العالقة الآن على عمق يصل إلى 1,500 كم.
 
ولكن بعض الصخور الرسوبية الموجودة في الأعلى كانت خفيفة للغاية ولم تغرق، لذلك انجرفت وتكدست وأصبحت أصول سلاسل الجبال المختلفة في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ جبال الأبينيني في إيطاليا، وأجزاء من جبال الألب، وسلاسل أخرى في البلقان واليونان وتركيا.
 
قارة مفقودة.. موت وحياة
تتدفق إعادة بناء التاريخ الجيولوجي للبحر الأبيض المتوسط من الماضي إلى الحاضر وتُظهر موت أدريا الكبرى وولادتها بقدر غير مسبوق من التفاصيل.
 
يقول الكاتب إن بعض أجزاء أدريا الكبرى نجت من كلٍّ من التكدس في الجبال والاندساس. ويقول دوي فان هينسبرجن، أستاذ التكتونية العالمية والجغرافيا القديمة في جامعة «أوتريخت» في هولندا، والباحث الرئيس في الدراسة: إن «الجزء الوحيد المتبقي من القارة عبارة عن شريط يمتد من تورين عبر البحر الأدرياتيكي إلى كعب الحذاء الإيطالي». وهذه المنطقة يسميها الجيولوجيون «أدريا»، ولذلك أطلق الفريق المكون من علماء من جامعة «أوتريخت» و«أوسلو» و«زيورخ» على القارة المفقودة اسم «أدريا الكبرى».
 
كيف كانت تبدو القارة؟ جرف قاري ضحل في بحر استوائي، حيث تحولت الرواسب إلى صخور، وربما تشبه أدريا الكبرى زيلانديا، وهي قارة مغمورة في الماء إلا بعض أجزائها أي نيوزيلندا وكاليدونيا الجديدة، أو ربما مثل فلوريدا كيز، أي أرخبيل من الجزر غير البركانية. وفي كلتا الحالتين، كانت ستنتشر الجزر والأرخبيل فوق الماء وكثير من الشعاب المرجانية في الأسفل و«كانت ستكون ممتازة للغوص»، كما يقول فان هينسبرجن.
 
علوم
منذ شهر
هل بدأ الإنسان الحياة على المريخ ثم انتقل إلى الأرض؟
لقد استغرق العلماء وقتًا طويلًا لإنتاج أول خريطة لأدريا الكبرى، ليس فقط لأن البحر الأبيض المتوسط عبارة عن «فوضى جيولوجية، حيث كل شيء منحني ومكسور ومكدس. وبالمقارنة به، فإن جبال الهيملايا تُعد نظامًا أبسط»، على حد تعبير فان هينسبرجن. وأدريا الكبرى فُقدت عن طريق الاندساس والتآكل، بينما ظهرت جبال الهيمالايا باصطدام قارتين.
 
رواسب الخام
ويلفت الكاتب إلى أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تتمتع بتركيبة جيوسياسية معقدة؛ الأمر الذي استدعى أن يجمع الباحثون الأدلة من 30 دولةً مختلفة، من إسبانيا إلى إيران، «لكلٍّ منها مسح جيولوجي خاص بها ولها خرائطها الخاصة وأفكارها الخاصة حول التاريخ التطوري. وغالبًا ما يتوقف البحث عند الحدود الوطنية».
 
ويختم الكاتب بالقول: إذن، ما الذي تعلَّمَته الجيولوجيا من اكتشاف أدريا الكبرى؟
 
أولًا: أن فرضيتها كانت صحيحة؛ إذ أشارت أوجه التشابه الجيولوجية عبر البحر الأبيض المتوسط حقًا إلى قارة مفقودة عُثِر عليها الآن.
ثانيًا: علَّمت إعادة بناء أدريا الكبرى الجيولوجيين أيضًا أن الاندساس هو الطريقة الأساسية التي تتشكل بها الأحزمة الجبلية.
لقد تعلموا أيضًا كثيرًا عن البراكين والزلازل «بل ويمكننا التنبؤ، إلى حدٍّ ما بالشكل الذي ستبدو عليه منطقة معينة في المستقبل البعيد»، كما يقول فان هينسبرجن.
أخيرًا وعمليًّا، ستساعد هذه الأفكار العلماء والمسَّاحين على تحديد رواسب الخام والمواد المفيدة الأخرى وتصنيفها في الأحزمة الجبلية.
 

مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/01 الساعة 14:09