حول تقرير ديوان المحاسبة
د. فهد الفانك
تقارير ديوان المحاسبة تستحق القراءة المتأنية للاستفادة منها وإجراء التصحيح أو التعديل اللازم سواء في المعاملات أو في نظام العمل، ولكن ليس من الحكمة التسرع في هذا المجال.
من التسرع أن توصف المخالفات التي ترد في التقرير بأنها فساد. ومن التسرع أن يتم تحويل من يسميهم البعض (المعتدون على المال العام) إلى القضاء قبل الاستماع إلى وجهات نظرهم، لأن معنى ذلك إدانتهم سلفاً وتشويه سمعة الجهاز الإداري للدولة المعروف بنزاهته.
من حق الجهات التي اتهمها التقرير أن تبدي رأيها، وأن تدافع عن نفسها، وأن تفسر مواقفها، فقد يكون الديوان متعسفاً دون قصد، ذلك أن المستوى المهني للمدققين من طرف الديوان لا يختلف عن المستوى المهني للمحاسبين الذين تخضع أعمالهم للتدقيق، ويهم بعضهم أن يتصيد أكبر عدد من المخالفات كدليل على النشاط ، تماماً كالشرطي الذي يخالف أكبر عدد من السواقين كإنجاز ودليل نشاط ونجاح.
قبل أن يرفع البعض حواجبهم اعتراضاً على ما يرونه دفاعاً عن الفساد، يجب أن نفهم أن الجانب الأكبر من المخالفات المالية يمثل اجتهاداً، خاصة وأن مدققي الديوان قد لا يملكون الخبرة في أعمال جميع الدوائر الرسمية ولا يقدرون ظروفها.
أما ضغط النواب على الحكومة لتقديم أجوبة محددة فإنه غير وارد، لأن التقرير يخص معاملات أجريب في عهد حكومة سابقة لم تكلف أحداً بالدفاع عنها، ولم تفوض أحداً بالاعتراف بالذنب نيابة عنها. وفي معظم الحالات يكون المحاسب قد تصرف على ضوء أوامر الوزير المسؤول الذي من حقه أن يتصرف بحكم مسوؤليته السياسية.
ليس معروفاً لماذا تصدر تقارير الديوان عن سنوات سابقة، ولماذا لا يصدر الديوان تقريراً شهرياً أو ربع سنوي، ولماذا لا يرفق تقاريره بالإجابات التي حصل عليها من الجهات الخاضعة للتدقيق.
يبقى أن الديوان يظلم نفسه عندما يدّعي سنوياً أنه وفر المبلغ الفلاني، ولم يبق إلا أن يطرح من هذا الوفر النفقات الجارية والرأسمالية للديوان لبيان صافي الأرباح!.
ما يوفره الديوان ليس ما ينشأ عن تأجيل أو وقف بعض المشروعات، أو منع تعديل شروط العطاءات، فهذا اجتهاد. ما يوفره الديوان هو ما كان يحصل من هدر وفساد لولا وجود الديوان، وهو أكبر بكثير من المبلغ الذي يقول تقرير الديوان إنه وفره.
المصدر: الرأي