«ادمان النيكوتين».. طريق جديد للاضطرابات النفسية

مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/01 الساعة 12:09

 مدار  الساعة - رزان المجالي - ليس وحده الجسد وأعضاؤه من يعاني من تدخين السيجارة، وما تحويه من مكونات  ضارة له. تدخله وتجعله يألفها، بل ويعشقها. يتلذذ بلمسها ورشفها، حتى اذا أدمنها أصبح اسيراً لها . تنفث داخل جسده سمومها وهو في حالة عشق ورضا لها . حتى اذا انقطع عنها ضاقت به الأرض وأسرع ليحصل على أخرى.

أما النفس وهي الروح وأصل الجسد فهي متعبة أيضا من هذه الشريكة ،  يتناولها ليخفف توتره وغضبه إذا ما واجه من الحياة مشكلات أو صعاب، ولكنها تخبئ له سماً خفياً  يظهر على شكل  اضطرابات نفسية متعددة كالقلق والتوتر وغيرها. فيخال له أن في تدخينه راحة واستقرار لنفسه ولكن العكس صحيح، فمن الحب ما قتل وما آذى، فلا تكتفي هذه السيجارة بالجسد فقط لتدمر الرئتين وتُصَلّب الشرايين وتَنشر الأورام بل تتعدى  للنفس وتعبث فيها مخلفة آثاراً نفسية عصية على العلاج. 
وتظهر على علب السجائر تحذيرات مخيفة من تسبب التدخين للسرطان والأمراض التنفسية وغيرها. مع صور تبعث على الاشمئزاز علها تكون رادعة لمستهلكها. ولكن يغيب عن صانعها أن يورد صوراً ونصائح لما تسببه من تعبٍ للنفس تودي بصاحبها لمشاكل نفسية وآثارٍ اجتماعية وصحية وأسرية. 
ويبين استشاري الامراض النفسية والادمان د. اشرف الصالحي قائلا :" صدرت مؤخرا العديد من الدراسات العالمية والتي تبين أثر التدخين على حدوث هذه الاضطرابات ولعل ومن ابرزها دراسة بريطانية نشرت في أذار من هذا العام قام بها باحثون ومن خلال  المسح السنوي للسكان والذي يديره مكتب الإحصاء الوطني ،خضع له  حوالي ٩٠٠٠٠٠ شخص حيث خلصت نتائج هذه الدراسة إلى ان التدخين يقلل الشعور بالسعادة بنسبة ٢٥٪.كما بينت  ان  أكثر من ربع المدخنين في إنجلترا  أصيبوا بقلق شديد في عام 2019 . أما في عام 2020 ، فقد اصاب القلق الشديد ما يقارب  38٪ من المدخنين وهذا ما يدعو العلماء لادراج المرض النفسي كأحد نتائج ادمان التدخين .
ويضيف د. الصالحي: يساهم النيكوتين الموجود في السجائر في حدوث التوتر والقلق على الرغم من أن استخدامه وكما هو معروف يخفف هذه المشاعر ويساعد على التركيز، الا أنه ومع الاستخدام الطويا يدخل الانسان في حالة ادمان و يعطي مفعولاً عكسياً. ويعد التدخين عاملا مباشرا ت في حدوث هذه الاضطرابات النفسية.. ومما شكل مفاجأة عند الباحثين ان التدخين يزيد احتمالية اصابة الانسان بالفصام العقلي"الشيزوفرينيا".
ويؤيد ذلك استشاري العلاج النفسي د. وليد سرحان قائلا:"  هناك ارتباط بين التدخين وحدوث الاضطرابات النفسيه  مثل اضطرابات الفصام وثنائي القطب
ويضيف د. سرحان :" كما ان التدخين بشكل عام يزيد من التوتر النفسي لدى المدخنين وقد يساعد في تفاقم حالات القلق النفسي. ويضيف د. سرحان:"
في القرن العشرين ظهرت تركيبات كثيرة لمواد مختلفة أصبحت منتشرة في العالم ،مثل تدخين التبغ ، والذي ثبت انه يعبث بالعقل ، فالتبغ يحوي على ثمانية آلاف مادة سامة منها أربعمائة مادة فعّالة ، والنيكوتين بحد ذاته يدخل في المشابك العصبية ويعبث بها." 
وبينت دراسة أخرى  نشرت في المجلة البريطانية  أن الأشخاص الذين أقلعوا عن التدخين تماما يقل شعورهم بالقلق بعد ذلك، وهذا على الرغم من الاعتقاد السائد بأن التدخين يقلل من الإجهاد.حيث قام الباحثون 
 بمتابعة ما يقرب من 500 مدخن. 
ووجدت الدراسة انخفاضا كبيرا في مستويات القلق بين الأشخاص الذين أقلعوا عن التدخين منذ ستة أشهر.
وكان أثر الإقلاع عن التدخين بين هؤلاء الذين كانوا يعانون من اضطرابات القلق والمزاج أكبر مقارنة بالأشخاص الذين كانوا يدخنون فقط من أجل المتعة.
ويضيف د. سرحان : إن هذه النتائج ينبغي أن تستخدم لطمأنه المدخنين الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين وذلك بتوضيح أن المخاوف بشأن زيادة مستويات القلق عند التوقف عن التدخين لا أساس لها.
ويضيف د. سرحان :" ان ترك التدخين لا يجلب بمنافع على الصحة الجسمية فقط، فهو يساهم ايضا بتطوير القدرات العقلية لدى الشخص، بالإضافة إلى انه سيخفف العديد من الاضطرابات والاعراض النفسية والتي يمكن ان تصيب المدخن وغيره مثل الضغط النفسي والقلق والإدمان.
وتوضح مديرة مكتب مكافحة التدخين د. نور عبيدات هذه الغلاقة :"من المعروف أن النيكوتين يصل إلى المخ خلال عشر ثوانٍ فقط حيث يرتبط هناك بمستقبلات الأسيتيل كولين العصبية.
ونتيجة لذلك، يتم إفراز الناقلات العصبية بازدياد، وهي مواد كيميائية لها علاقة بالمرض العقلي مثل: الدوبامين والذي يؤثر على السلوكيات والأحاسيس والسيروتونين المسمى بهرمون السعادة ويتسبب نقصه بالاكتئاب  والإندورفين من أهم مسكنات الألم الطبيعية في الجسم).
وتضيف د عبيدات إن المصابين بالاكتئاب والخوف يدخنون كي يغيروا من حالتهم المزاجية ويقللوا من حالة الاكتئاب والخوف لديهم، لكن التخفيف من الخوف والاكتئاب لا يحدث إلا لفترة وجيزة، فضلا عن أن هذا الارتياح القصير يتحول مع الزمن إلى العكس وإلى إدمان يجعل الشخص يحتاج دائما إلى النيكوتين، الذي يتسبب في إفراز المزيد من الأدرينالين (هرمون النشاط) الذي يعمل بدوره على ازدياد نبض القلب وانقباض الأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم.
وكذلك يؤدي النيكوتين إلى إفراز المزيد من هرمون الكورتيزون المنشط، ويصبح كل من الجسد والنفس في حالة طوارئ مع كل سحبة دخان. وقد يكون هذا هو سبب أن نوبات الخوف الشديدة تكون أشد لدى المدخنين منها لدى غير المدخنين.
والجدير بالذكر ان التدخين لمدة طويلة يؤدي إلى تقليل الاستجابة النفسية للنيكوتين، فيضطر المدخن لزيادة كمية التدخين حتى يصل إلى الحالة النشطة والمتهيجة ذاتها.
آثار اجتماعية واضحة
يبين اخصائي علم الاجتماع والجريمة  د. عامر عورتاني:":" تعدّى آثار التدخين الأضرار الصحية لتتداخل فيها النواحي الاقتصادية والاجتماعيةأما من الناحية الاجتماعية فإنّ سلبيات التدخين تتحدد بحسب مكان الفعل الضار ، فممارسة التدخين في البيت مثلاً ؛ يشكل صورة من أشكال العنف الأسري وذلك من خلال قيام المدخن بنفث دخان سيجارته في الأجواء ، مما يُجبر أفراد المنزل على التدخين قسرياً ، وهو ما يتمّ بصورة محرجة إذا ما كان المدخن في زيارة لبيت أحدهم ، فيجبر أفراد البيت المضيف على التدخين رغماً عنهم ، وقد تضيق دائرة الحرج إذا ما تساقط بعض من رماد السجائر على الأثاث والسجاد محرقاً أجزاء منها ، كما يمثّل العنف اللفظي والسلوكي المصاحب للأعراض الانسحابية في حالات الإقلاع أو الصيام أو المرض ، وذلك بفعل غياب أداة التأثير وهي السيجارة ، والأمر يصبح أكثر خطراً إذا ما تعلّق بالأطفال واليافعين الذين تورطوا في عادة التدخين دون امتلاك القدرة على توفير المال اللازم لشراء السجائر ، خاصة وأنّ ممارسة التدخين ضمن هذه الفئة العمرية غالباً ما يتمّ دون علم الوالدين ، وهو ما يفتح باب الاحتمالات على أمنهم الصحي من جهة ، و على الكيفية التي يتمّ من خلالها توفير ثمن السجائر كالسرقة والاحتيال وغيرها من الجرائم التي تقع على الأموال ، وبالعودة للبالغين وأرباب الأسر، فإنّ ثمن السجائر لا شكّ يتطلّب لدى البعض من ذوي الدخل المتدني ، التخلّي عن شراء أبسط المستلزمات الأسرية الضرورية مقابل توفير ثمن علبة السجائر "
وتتسع دائرة المدخن لتشمل الأماكن المغلقة الأخرى كمقر العمل ، مخلّفة ذات الآثار الضارة على تنفّس الآخرين ، ناهيك عما تتركه رائحة السجائر العالقة بملابس الشخص المدخن من أثر تدريجي على بيئة العمل ، و على صحة المرافقين له في المكان ، كما أنّ إدمان التدخين قد يدفع بعض المدخنين لاختراق بعض الاشتراطات الصحية بحسب قانون الصحة العامة ، ليشكل مخالفة صريحة تستوجب العقوبة كالتدخين في الأماكن الممنوعة كالمستشفيات والمقار الحكومية وغيرها .
إنّ من الهام جداً وجوب العمل على توسيع دائرة تجريم الأفعال الضارة المتعلقة بالتدخين ، وذلك لتوسيع مظلّة الأماكن والأشخاص الذين تشملهم الحماية من ضرر هذه العادة السيئة ، وذلك باستحداث قوانين رادعة تستوعب كافة الاحتمالات التي تؤدي لذات النتيجة ، لوجود علاقة سلبية بين الفعل الضار ومحلّ الحماية ، وهو حق الإنسان الطبيعي في الحفاظ على حياة صحية غير متصلة بأفعال ومزاج الآخرين ."
توعية ضعيفة يقابلها استهلاك متزايد
 يوضح الخبير الاقتصادي حسام عايش الاسباب التي تؤدي لفشل حملات مكافحة التدخين  :"  «ان اعلانات شركات التدخين لم تؤد غرضها والدليل هو العدد المتزايد من المدخنين خاصة فئة الشباب، لان مثل هذا النوع من الاعلانات لا تصلهم بشكل جيد، كونه يتم عبر وسائل الاعلام التقليدية و لا يقدم بالصورة الحقيقية، كما أن الاعلانات المعروضة تقليدية ومباشرة واعتاد الناس عليها، أ ي لم تعد تملك أي تأثير جديد يخلق تشجيعا عند المدخن لتركه. فالدافع للتدخين أضحى أكبر من تلك الصور المكررة والموجودة على علب السجائر، بالمقابل فإن الشركات اتخذت رعاية المناسبات والملابس
الرياضية، اضافة للاعلانات في مجلات والافلام والمسلسلات التلفزيونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي غطاءً لها، مما يجعلها تتفوق على اعلانات التحذير التقليدية»
ويضيف عايش :"  يجب  على معدي الاعلانات أن يظهروه بشكل جيد غير عشوائي ورسالته فاعلة ومعبرة ويقود مشاعر سلبية ويخاطب العقل. لكن للأسف أن هناك تراخ في هذا المجال كم من ناحية تطبيق قانون الصحة العامة حيث  مصانع التدخين تجلب  اكبر العوائد المالية على الاقتصاد الوطني»  يتابع القول:" إن الدعايات المضادة للتدخين قد تنجح في تقليل الطلب، لكن تدابير تقليل المعروض من السجائر والتبغ لا تبشر بنفس النتيجة، خاصة في ظل العولمة والانفتاح ، وسطوة الشركات ، وإغراء الأرباح فإذا كفّ أحد الموردين عن نشاطه، فإن العشرات غيره يجدون الدوافع لدخول السوق خاصة بقيام شركات التبغ بتقديم حوافز كبيرة للمشتغلين في هذه الصناعة والمروجين لها. و السؤال المهم هنا: كيف للحكومات التي تسمح باقامة مصانع للدخان ان تكون جادة فعلا بايجاد دعاية مضادة لمنتجات تلك المصانع؟!"
ولا بد من اتخاذ عدة تدابير منها 
 اعلانات تحذيرية ذكية بنمط جديد توضع في اماكن جاذبة -على سبيل المثال- شاشات على الاشارات الضوئية ،  ، وتفعيل دور  العبادة في نشر الوعي . أما من ناحية وسائل الاعلام فالافضل ان يتم حظر انتاج لقطات أو صور في الافلام والمسلسلات والبرامج المنوعة تحتوي على اشخاص مدخنين، والاهم من ذلك ايضا تفعيل قانون حظر التدخين في الأماكن العامة خاصة بعد الارقام الصادمة بتسبب التدخين في وفاة ٩٠٠٠شخص سنويا.و يبقى سؤال مهم، لماذا لا يتم تخصيص رسوم أو ضرائب على شركات التدخين توجه للقطاع الصحي لتطوير أدوية وعلاجات للأمراض التي يسببها التدخين وأهما السرطان، مادام المال معرقلاً لمنع التدخين وانتاجه؟
حضول خجول في المناهج الدراسية
بعد اعداد دراسة مبسطة على المناهج الدراسة قامت به كاتبة التقرير تبين غياب المواضيع المتعلقة بآثار التدخين السلبية في هذه المناهج  ، على الرغم من أهميته وخاصة منذ سنوات الطفولة المبكرة . ويورد خبير المناهج د. جودت سعادة عدة حلول منها :" ضرورة اهتمام مخططي المناهج المدرسية بظاهرة التدخين الضارة، بحيث يأخذونها في الحسبان عند تصميم الوحدات الدراسية لمادة العلوم ومادة التربية الاجتماعية، إذا لم يتمكنوا من وضعها ضمن مادة مستقلة تدور حول هذه الظاهرة المجتمعية الضارة والمتعلقة بالتدخين والكحول والمخدرات وغيرها من الأمور السلبية.
 كذلك ضرورة توزيع الأفلام  التي تتناول ظاهرة التدخين ومضارها على المدارس والمعاهد والجامعات لمشاهدتها من جانب الطلبة، كي تسهم في رفع مستوى الوعي لديهم من هذه الناحية، على أن تتولى هذه المهمة كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ووزارة الشباب.
ويضيف د. سعادة : "كما يجب الاهتمام لدى توزيع وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الصحة والجامعات المحلية بعض النشرات والإرشادات، التي تبين أهمية التمتع بالصحة والعافية في الأجسام والأنفس، والمخاطر المحدقة بها عند ممارسة عادة التدخين."كما يجب ان تتعاون المناهج الدراسية بتوفير مواد منذ الطفولة تبين مخاطر هذه العادة الفتاكة.
واخيرا وحسب الدراسات العالمية فإن آفة التدخين تعد كأحد عوامل الاختطار الرئيسة للأمراض غير السارية في الأردن، حيث يعزى إليه ما ما يقرب من 80٪ من جميع الوفيات المبكرة. ووفقا لمسح ستبس STEPS لعام 2019 الذي أجرته وزارة الصحة الأردنية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، فإن 82٪ من الذكور الأردنيين مدمنون على النيكوتين مما يصنف الأردن ضمن قائمة الدول التي يوجد بها أعلى معدلات انتشار التدخين في العالم. كما بينت الدراسة أن حوالي 50٪ من المدخنين البالغين في الأردن حاولوا الإقلاع عن التدخين خلال الأشهر ال 12 الماضية، إلا أن نسبة صغيرة منهم فقط تمكنت من الاستفادة من الطرق والأدوات المتاحة التي يمكن أن تساعدهم على القيام بذلك.
 

مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/01 الساعة 12:09