قصة ارتباك حاسة الشم لدى بعض المتعافين من كورونا

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/22 الساعة 14:11

 مدار الساعة - فقدان حاسة الشم هو أحد الأعراض الأساسية لكوفيد-19 الناتج عن العدوى بفيروس كورونا. لكن حتى بعد التعافي بفترة طويلة، يصاب البعض بـ"الباروسميا" أو تشوه حاسة الشم، فماذا يعني ذلك؟

 
الباروسميا أو حاسة الشم المشوهة عبارة عن عرض مرضي يتسبب في تحويل الروائح التي كانت عادة لطيفة أو مستساغة لدى الشخص إلى روائح كريهة أو غريبة.
 
وعلى الرغم من أن كوفيد أو كورونا ليس السبب الوحيد في تلك الإصابة المرضية، إذ يمكن لإصابات الرأس وأنواع أخرى من العدوى أن تؤدي إلى حدوثها أيضاً، إلا أنه يبدو أن Sars-CoV-2 يؤدي بشكل خاص إلى إطلاق هذا الارتباك الحسي لدى بعض المتعافين منه.
 
وتناول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية بعنوان "هواء نقي أم رائحة كريهة؟ كيف يمكن لكوفيد تشويه حاسة الشم"، رصد أحدث ما توصلت إليه الدراسات في هذا العرض تحديداً.
 
رائحة القهوة تتحول إلى رائحة رماد محترق
وبعد أن اقتربنا من العامين في ظل الوباء، منذ تفشيه في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019، أصبح معظم الناس يدركون أن أحد الأعراض الأساسية للإصابة بفيروس كورونا هو فقدان حاسة الشم.
 
وقد يستمر فقدان الشم لأسابيع أو حتى شهور. لكن، وعلى نحو متزايد، فإن أولئك الذين تعافوا يصابون لاحقاً بأعراض مربكة أخرى أبرزها الباروسميا أو حاسة الشم المشوهة.
 
لكن وفقاً لمسح دولي حديث، فإن حوالي 10% من المصابين بفقدان الرائحة المرتبط بكوفيد قد عانوا من تشوه حاسة الشم في أعقاب المرض مباشرة، وارتفع هذا إلى 47% عند مقابلة المستجيبين للمسح مرة أخرى بعد ستة أو سبعة أشهر.
 
 
 
ديردري واحدة من المتعافين من كورونا، شبهت رائحة جسدها برائحة البصل النيء؛ بينما قال ديباك وهو متعاف آخر للغارديان إن رائحة ما بعد الحلاقة المفضلة لديه أصبحت كريهة، ورائحة القهوة مثل منتجات التنظيف؛ وتعتقد جولي أن القهوة والشوكولاتة أصبحت رائحتهما تشبه رائحة الرماد المحترق.
 
وبناءً على تقديرات العدوى الحالية، يمكن أن يكون هناك 7 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من باروسميا نتيجة لكوفيد-19، حسبما قدّر الباحثون. وتقول الدكتورة دويكا بورجز واتسون من جامعة نيوكاسل، والتي كانت تدرس التأثير النفسي للباروسميا: "هذا يحدث على نطاق لم نشهده من قبل".
 
وهي أيضاً ليست مجرد مشكلة في الأنف. تقول دويكا: "يمكن أن يكون لذلك تأثير عميق على نوعية حياتك، من طريقة تناول الطعام إلى الطريقة التي تتواصل بها مع الآخرين أو تتفاعل معهم، وصولاً إلى مستوى ما إذا كنت تشعر بالفعل بالأمان عند الخروج من منزلك أم لا".
 
لماذا تسبب حاسة الشم المشوهة مشكلة كبيرة؟
فقدت ليزلي ماثيوز، 52 عاماً، من بولتون، حاسة الشم بعد إصابتها بكوفيد في يناير/كانون الثاني. وبدأت تعود في أغسطس/آب، لكن معظم مستحضرات النظافة والمواد الغذائية لها رائحة غريبة. "لدي رائحتان رئيسيتان مشوهتان. الأول عبارة عن رائحة كيميائية موجودة في معظم مستحضرات النظافة والمشروبات الغازية، وكل العطور ومستحضرات ما بعد الحلاقة لها نفس الرائحة المثيرة للاشمئزاز، مما يجعل حتى مرور الأشخاص بجانبي عند التسوق أمراً لا يطاق".
 
"والثاني هو ما لا أستطيع إلا أن أشبهه بالرائحة الكريهة لحفاض الطفل. جميع اللحوم، المطبوخة أو غير ذلك، تفوح منها هذه الرائحة، إلى جانب أي شيء محمص أو مقلي".
 
ونظراً لأن العديد من الأطعمة تحفز تأثير الباروسميا، فإن نظام ليزلي الغذائي يقتصر حالياً على حفنة من "الأطعمة الآمنة"، بما في ذلك العصيدة والبيض المخفوق والسلمون المسلوق والعنب والزبيب، وتشعر بالغثيان في غضون ثوانٍ من قيام شخص ما بتشغيل محمصة الخبز. وتقول: "لا يمكنني الذهاب إلى المقهى، وأبذل باستمرار الأعذار لعدم الاختلاط بالآخرين، لأنها لم تعد تجربة ممتعة".
 
فقدان حاسة الشم
 
 
من الشائع أيضاً وجود تصور متغير لرائحة الجسم، سواء رائحة الفرد نفسه أو تلقيه لرائحة الآخرين. تقول دويكا: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الحميمية الاجتماعية، إما لأنك خائف جداً من أن تكون بصحبة الآخرين، أو لأنك تجد أن رفقة الآخرين تحفز شعورك بالباروسميا. لقد رأيت حالات لأشخاص يشعرون أنهم مضطرون لترك شركائهم لأنهم لا يستطيعون تحمل رائحتهم. كيف تخبر الشخص الذي تحبه بأن رائحته مقززة؟".
 
واحدة من أسوأ الحالات التي واجهتها مؤخراً كانت لشخص تتسبب رائحة الهواء النقي في تحفيز حالة الباروسميا لديه. "لم يتمكن حرفياً حتى من الانتقال من غرفة إلى أخرى داخل منزله. إذا خرج، شعر برائحة الهواء المثيرة للاشمئزاز تتخلل كل شيء".
 
هل يوجد علاج للباروسميا؟
الخبر السار هو أن العلماء بدأوا في فك الآليات الجزيئية للباروسميا، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى طرق أفضل لعلاجها.
 
يوجد على سطح التجويف الأنفي حوالي 7 سم خلف فتحات الأنف، غشاء رقيق مرصع بخلايا متخصصة تسمى الخلايا العصبية الحسية الشمية، والتي تلتقط جزيئات الرائحة من الهواء الذي نتنفسه ونخرجه، وهي ترسل إشارات كهربائية إلى منطقة الدماغ التي تعالج الرائحة.
 
ويمكن لعدوى مثل كوفيد-19 أن تدمر هذه الخلايا العصبية. والنظرية الرائدة الحالية هي أنه عندما تتجدد الخلايا، يمكن أن يحدث توصيل خاطئ أو إشارات مضللة، مما يؤدي إلى حالة الباروسميا.
 
وتختلف المحفزات من شخص لآخر، ولكن غالباً ما تظهر من بعض المواد بعينها: القهوة، واللحوم، والبصل، والثوم، والبيض، والشوكولاتة، وجيل الاستحمام، ومعجون الأسنان.
 
وقد بدأ بحث منفصل أجرته الدكتورة جين باركر في جامعة ريدينغ وزملاؤها في تسليط الضوء على سبب كون هذه المواد إشكالية للغاية. وفي التجارب الحديثة، قاموا بتفكيك رائحة القهوة إلى الأجزاء الجزيئية المكونة لها، ووضعوها تحت أنوف الأشخاص المصابين بالباروسميا والمتطوعين غير المتأثرين.
 
وأظهر هذا أن الباروسميا لا يرتبط بقدرة الشخص على الشم. بدلاً من ذلك، هناك بعض المركبات التي تثير مشاعر الاشمئزاز لدى العديد من الأشخاص المصابين بالباروسميا ولكن الأشخاص غير المتأثرين يميلون إلى وصفها بأنها ممتعة. ويحتوي الكثير منها على الكبريت أو النيتروجين، على الرغم من أن هذه المركبات ليست كلها محفزات. وهي تميل أيضاً إلى أن تكون قابلة للكشف بواسطة أنف الإنسان بتركيزات منخفضة جداً.
 
أكثر ما أُبلغ عنه في القهوة هو 2-فورانميثانيثيول، والذي وصفه المشاركون غير المتأثرين بأن رائحته تشبه التحميص أو الفشار أو رائحة مدخنة. يقول باركر: "كثير من الناس (المصابين بباروسميا) وصفوها بأنها مجرد "رائحة قهوة جديدة، نعم هذه هي رائحة قهوتي". ووصفه آخرون بأنه فظيع ومثير للاشمئزاز. وقالوا إنهم لم يشموا أي شيء مثله من قبل".
 
في الوقت الحالي، يوصي واتسون بأن يكتب أي شخص يعاني من باروسميا قائمة بجميع محفزاته ويلصقها في مكان ما يمكن لأفراد الأسرة الآخرين رؤيتها، حتى يتمكنوا من مساعدتهم على تجنب هذه المواد أو إيجاد بدائل. على سبيل المثال، تنشأ العديد من المركبات التي حددها باركر وزملاؤه أثناء التفاعل الكيميائي الذي يعطي الطعام المحمص أو المقلي أو المشوي نكهته المميزة. وقد تجعل تقنيات الطهي المختلفة نفس الأطعمة أقل ضرراً.
 
سؤال آخر بلا إجابة هو إلى متى يمكن لأولئك الذين يتعافون من كوفيد أن يتوقعوا استمرار الباروسميا؟ يقول باركر: "الأشخاص الذين عانوا من المرض قبل ظهور كوفيد كانوا يأخذون من ستة أشهر إلى سنتين أو ثلاث سنوات للتعافي، لذا فهي عملية طويلة". بالنسبة لبعض الأفراد، قد لا يشمون رائحة أشياء معينة تماماً كما يتذكرونها بالضبط، لكن هذا لا يعني أن نوعية حياتهم لن تتحسن بشكل كبير.
عربي بوست

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/22 الساعة 14:11