بطل القوات الخاصة.. قنابل شارع طلال وأشياء أخرى..!

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/16 الساعة 10:44

 مدار الساعة - كتب: محمود كريشان

.. إنه «الأردن» الذي يتعرف على وجهه في مرايا العزة والكرامة.. ويقرأ اسمه في كتاب الجيش الاردني العظيم وزمازم الشهادة.. ومزامير النصر.. يقرأه في فرح المغامرة والإقدام، وأبجدية الشجاعة وروح الاقتحام.. يقرأه على معاطف الجنود المسافرين إلى ري سنابل الكبرياء بدمهم الأرجوان.. يقرأه في جراحهم المتلألئة تحت الشمس كأحجار الياقوت.. وحقول شقائق النعمان والدحنون..ويكتشف الأردن صوته في رصاص مقاتليه الأبطال..
يا تُرى من أين نبدأ؟.. فتاريخ هذا الفارس الأردني الأبي حافل بالبطولات والتضحيات والإقدام والفروسية والشجاعة، فهو الذي استطاع بحنكته وشجاعته -والتي قل نظيرها- مع رفاقه رجال القوات الخاصة، تحرير الرهائن في فندق الأردن كونتيننتال العام 1976، في مشهد رجولي عزَّ مثيله.. وصورة هذا البطل لا تزال معلقة في الفندق استذكارا له.. وهو البطل الذي استعانت به سلطنة عمان من خلال المغفور له الملك الحسين لمواجهة أحداث مهمة، وقبلها كان الفارس المغوار في معركة الكرامة عام 1968 يقود كتيبة مشاة، دون أن نغفل عن بطولاته في أحداث الأمن الداخلي 1970 ودوره في حماية عمان، ومن ثم إسهامه المؤثر في تحرير الحرم المكي الشريف.
 
قنابل في شارع طلال
انه اللواء الركن المظلي الفارس البطل أحمد علاء الدين الشيشاني، وشرف الحديث عنه، حيث تصادف الذكرى السابعة لوفاته، وقد قال في مقابلة سابقة ما نصه: في سن السابعة عشرة وتحديدا في عام 1957 تم الإعلان عن دورة لاختيار مرشحين مؤهلين يقدر عددهم بـ(200) شخص ضمن الشروط المطلوبة لتنسيبهم للالتحاق بالكلية العسكرية، وذهبت مسرعا لكلية الحسين الثانوية حيث المكان المقرر لتقديم الطلبات، وبعد أيام قليلة ورد اسمي في الدفعة الثانية، لأتقدم مباشرة للفحص الطبي، وأجتازه وأكون من ضمن الـ (170) ممن قبلوا للانتساب للكلية العسكرية، وكان من ضمن تلك الدفعة: إبراهيم صايل الحسبان، رأفت المجالي رئيس بلدية الزرقاء سابقا، ويوسف حمدان، وموسى العدوان الذي وصل لرتبة فريق، يماثله في الرتبة محمود حماد أيضا وغيرهم الكثير.
ويقول الباشا علاء الدين في ذات المقابلة: حادثة «فندق ليبتون» كان الاختبار الأول الذي يواجهني في مكافحة الإرهاب الذي تعرض له الأردن لأخوضه بقوة، مثبتا للجميع أن التدريب العسكري الذي تعلمته قد حان وقت توظيفه، لتكون بذلك أولى صفعات العسكرية الأردنية في وجه الإرهاب.
وعن تفاصيل الحادثة قال أحمد باشا: في تلك الفترة كانت الاشتباكات مع الطرف الآخر في أوج أزيزها، وكنا وقتها كوحدة تابعة لجهاز الشرطة، وقد أنشأنا قسماً للشرطة في «مقهى الجامعة العربية» الذي كان يقع أمام الجامع الحسيني المحاذي لفندق «ليبتون» والذي كان موجوداً في تلك الفترة.
واضاف: وفي إحدى المرات حيث كنت وقتها ارتدي زياً مدنياً ذهبت في جولة استكشافية ولأسير باتجاه «جسر الحمام» وهو حمام تركي قديم كان الوحيد في تلك المنطقة التي كانت تعج بالمسلحين «الخارجين عن القانون»، وإذ يستوقفني أحد البائعين وهو يجر عربته المكدسة بالموز حتى أقف بمحاذاته، وفي لحظات قليلة يقبل علي ثلاثة أشخاص من الطرف الآخر لاعتراضي والاستفسار عن هويتي وقبل أن أجادلهم في سؤالهم غير المبرر، حتى ألحظ أحدهم وقد مد بيده أسفل العربة حاملاً « الكلاشن» لأتيقن بأني واقع لا محالة في خطر محدق من الضروري تفاديه، لأنجو بحياتي، الأمر الذي دفعني لمسايستهم وتنفيذ ما طلبوه مني معطياً إياهم هوية إثبات شخصيتي وقبل أن أهم بإخراجها حتى أباغتهم على الفور بإخراج «قنبلة» كانت من ضمن القنبلتين اللتين كنت أحتفظ بهما في جيبي بالإضافة للمسدس الذي كان بحوزتي، لألقيها عليهم على الفور وأعود مسرعاً لمقهى الجامعة العربية حيث جماعتي، لتبدأ النيران تتهافت متناثرة في الأجواء، وأذكر أنه وأثناء مراقبتنا لمصدر النيران وإذ بطلقة قد لامست شعري وتخطتني ولولا ستر الله لأردتني قتيلاً، لأعلق على الفور بأن صاحب هذه الطلقة ما هو إلا «صياد هامل».
وقال: استمر مسلسل تبادل إطلاق النيران الكثيف حتى ساعات متأخرة من الليل، الأمر الذي دفعنا لطلب إمدادات عاجلة ولأخرج بعدها مباشرة وبرفقة عشرة من الجنود مصطحبين معنا حشوتين من المتفجرات باتجاه فندق «ليبتون» لاقتحامه لتيقننا أن مصدر هذه النيران الكثيفة قد أطلقت منه، وبالفعل استطعنا السيطرة على المنطقة الخلفية للفندق لنباشر فورا ودون انتظار أي أوامر من الجهات العليا لاقتحامه، وقد تمكنت ومن معي من الدخول إلى الفندق من الطوابق السفلى له فيما كانت في ذات الوقت طائرات الهيلوكبتر تقوم بعمليات إنزال من الأعلى، لنحبك سيطرتنا على من فيه وسط مواجهات حامية الوطيس ونباغتهم من كلتا الجهتين تماما كما «الساندويش».
معركة فندق الأردن
وعن معركة «اقتحام فندق الأردن» في عام 1976 التي كانت صفعة أخرى قوية يضربها قائد قواتنا الخاصة احمد علاء الدين في ذلك الوقت في وجه الارهاب القذر، حيث سرد الباشا علاء الدين تفاصيل هذه المعركة قائلا: في صباح يوم 16/11/1976 خرجت من منزلي مرتدياً لباساً مموهاً الأمر الذي أثار دهشة ابنتي الصغيرة «علياء» حينما كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات، لأعلل لها هذا الأمر بأنه ما هو إلا محاولة لاسترجاع أيام القتال التي أحن لها .
واضاف: بالفعل غادرت المنزل متجهاً لمقر القيادة ودعوات ابنتي لله لحفظي ورعايتي ما زال صداها يدق في مسمع إذني حتى هذه اللحظة، وبعد فترة وإذا بهاتف يبلغنا عن معلومات حول وجود مجموعة من الإرهابيين، وقد أحدثوا بعض المشاكل في فندق الأردن، الأمر الذي دفعني مباشرة للتوجه لهذا المكان بعد أن سبقتني الكتيبة التابعة لي هناك، ووصلنا للموقع وإذا بالقائد العام الأمير زيد بن شاكر ومدير شرطة العاصمة العقيد بسام الحمود ينتظراني لينقلا لي معلومات عن وجود أربعة إرهابيين مسلحين بشتى أنواع الأسلحة والذخائر قابعون في مبنى الفندق محدثين فيه الكثير من المشاكل، مما جعلنا نتخذ الكثير من التدبيرات والإجراءات الاحترازية قبل بدء الهجوم، لنقرر بعدها على أن آلية اقتحام الفندق ستتم من جهتين تماماً كما حصل في حادثة فندق «ليبتون» لأقتحم أنا ومن معي من الجنود المبنى من الطوابق السفلية للفندق فيما تتم عملية إنزال لطائرات الهيلوكبتر من الأعلى كما «الساندويش» حتى استطعنا أن نسيطر على مجريات الأحداث في وقت قصير لا يتجاوز ثلاث ساعات، وبأقل الخسائر فقتلنا ثلاثة من الإرهابيين فيما القينا القبض على رابعهم، الذي كان من الضروري بقاؤه حياً لمعرفة الجهة التي أرسلتهم لتنفيذ هجماتهم وإذا هم من جماعة صبري البنا «أبو نضال».
ويضيف: كنت سعيداً جداً لما أنجزته، محققاً بذلك الوعد الذي قطعته على نفسي أمام القائد العام زيد بن شاكر، حيث وعدته بأن أنهي عملية اقتحام الفندق والقضاء على جيوب الإرهاب في وقت لا يتجاوز ثلاث ساعات وهذا ما حصل.
تحرير الحرم المكي
ولاشك ان ثمة دورا أردنيا في تحرير الحرم المكي من أيدي جهيمان العتيبي وعصابته التي إدعت ظهور المهدي المنتظر وطالبت المحتجزين بالحرم بمبايعته، وقد ترسخت في أذهان ابناء الشعب الأردني ان القوات الخاصة بقيادة اللواء الركن المظلي أحمد علاء الدين الشيشاني شاركت في اقتحام الحرم وتحريره من ايدي عصابة جهيمان.
وبحسب المعلومات التي سردها علاء الدين لأحد المقربين منه، فانه بعدها استدعاه على الفور الملك الحسين وابلغه ان طائرة خاصة ستأتي على الحدود الأردنية السعودية لنقل اللواء احمد علاء الدين «سرا» الى السعودية بعد ان طلبه بـ»الاسم» قائد الحرس الوطني السعودي «انذاك» الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وبالفعل سافر علاء الدين وحده وقام بالمشاركة في وضع خطط الاقتحام العسكرية التي نفذت معظمها قوات الحرس الوطني السعودي بنجاح تام.
أمام ذلك ورد في وثيقة ضمن كتاب «ايام وذكريات مع الفريق حردان التكريتي» لمؤلفه الفريق الركن حسين رشيد التكريتي الصادر عام 1985 حصرية من مذكرات الفريق الركن العراقي حردان التكريتي والذي يشير فيها الى مشاركة القوات الخاصة الاردنية، لكن الذي شارك فعلا هو اللواء احمد علاء الدين فقط في وضع خطة الاقتحام وتحرير الحرم المكي من عصبة الأشرار بقيادة جهيمان.
سيرة ذاتية
ولد الباشا أحمد علاء الدين في مدينة الزرقاء ضمن أسرة شيشانية، عشقت العسكرية، وتلقى تعليمه من الابتدائي الى الثانوي في مدارس الزرقاء ثم التحق بالكلية العسكرية ليتخرج فيها ويواصل تعليمه ويحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في تخصص العلوم العسكرية والإدارية من جامعة القوات المسلحة الصينية.
ولنا كلمة
هي جزء بسيط من فصول مشرقة في سفر البطل أحمد علاء الدِّين الذي كان صدره مغطى بنياشين الفخر والغار وقد عشق ثرى الوطن وأخلص للراية الهاشمية وكان رمزا للوفاء لجنوده من القوات الخاصة، فعلا إنهم خاصة الخاصة من الرجال خلقا وشجاعة وشهامة وأخوة وبطولة، لأنه المنتمي، الأمين، المخلص وقد كان بدراً مضيئا في ليالي الوطن الظلماء..كان يبحث دوما عن الشهادة في ساحات الوطن، حتى داهمه الموت في مثل هذه الأيام عام 2014 ليكون عند الشهداء من أبطال جيشنا العربي الذين مضوا على درب الشهادة وهم يذودون عن الوطن والدِّين والأمَّة.
Kreshan35@yahoo.com

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/16 الساعة 10:44