الأردنيون يطردون من التاريخ!

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/16 الساعة 01:36

 الأردن هو البلد الوحيد الذي يخجل أهله الأصلاء من الحديث عن تاريخهم الحقيقي وتاريخ أهلهم الأوائل منذ عصر الغساسنة قبل الاسلام حتى انتهاء الخلافة العثمانية، ورغم أن بطون كتب التاريخ، خصوصاً كتب وملاحظات المستشرقين الأوروبيين الذين جالوا غالب بلاد العرب وسبروا أغوار المجتمعات في بلاد الشام وعشائرها وقبائلها وسكانها ممن استوطنوا هذه البلاد بعشق لترابها المبارك والمقدس، فإن الاردني المتأخر اليوم أصبح خجولاً من أن يقدم للعالم روايته الحقيقية، وكيف عمرّ أجدادهم قرى وبلدات وسادوا عبر قرون على هذه الأرض، وكيف بنى الرعيل القديم ما قبل الدولة القطرية وما بعدها قواعد الحماية الدفاعية عن الجغرافيا والديمغرافيا والكينونة الوطنية في ظل تفاهمات محترمة.

 
لقد استقبلت هذه الأرض الكثير من أحرار العرب الذين قدموا من الأمصار العربية من غرب الجزائر حتى شرق العراق وجنوب الحجاز الى شمال سوريا، وباتت بلادنا حدائق إنسانية تزهر بكل أصناف البشر وعاداتهم وتقاليدهم ولكل منهم حكاية، ومنهم من تسلم أعلى درجات سلم المسؤولية والحكم، وحتى منتصف القرن الماضي كان الأردنيون كرماء مع أشخاص لجأوا من بطش الاستعمار الفرنسي لسوريا والبريطاني لفلسطين والعراق، حيث تعاقبوا على مناصب الحكم كرؤساء للحكومات ووزراء فيها، حتى وصول سعيد المفتي ومن بعده هزاع المجالي، ولم يزاحم أحد أحدا رغم أحقيتهم بإدارة شؤون دولتهم كتفاً الى كتف مع أميرهم وملوكهم.
 
بعد سنوات طويلة من تاريخ ومواقف الأردنيين دفاعاً عن بلدهم وتاريخهم الذي عاشوه عياناً أو سمعوه من روايات الصادقين الذين لا تكذب ألسنتهم، رأينا كيف يخرج الأردن من الخدمة التاريخية والمرحلية عند جيل تم الاشتغال على تغيير منتجه منذ عقود، أزاحت من عقله الوطنية الجامعة والتاريخ المشترك والمشتبك مع جميع أطياف الشعب القديم والجديد المتآخي، من خلال التجهيل واستبدال الثقافة الوطنية المجتمعية والتخويف من العمل السياسي وزرع التفرقة، لننتهي إلى إنتاج إنساني لا يمت لواقعه ولا لتاريخه بصلة، حتى لم يعد يعرف تاريخ آبائه وأجداده، ولا يهتم أصلاً بما أنجزوه في قرن من الزمان، حتى وصلنا إلى الهوية الفرعية الضيقة القاتلة بالتنابز.
 
كتب التاريخ الحديث للأسف ليست لتثقيف الجيل، بل هي لتلميع صور ليس لها أي قيمة إلا بما تمتلك من مال أو سلطة نفعية، وها نحن نسمع عن شخصيات لم تكن سوى تابع لمسؤول ما منذ بداية الدولة، في المقابل لا يسمع الجيل الجديد عن شخصيات وزعامات وأبطال كانوا هم عماد هذا الوطن من شماله لجنوبه، إذ طويت صحائفهم واستبدلت بثقافة تغريبية، ولهذا رأينا حجم الكارثة في جهل بعض الذين يتصدرون المشهد تلفزيونياً أو صحفياً ثم لا يعرفون تاريخهم ولا جغرافيتهم ولا مدنهم ولا شخصياتهم البانية من تراب هذا البلد، في المقابل لا يخرج أحد من العالمين بالتاريخ ليذكر الحقائق المغيبة عن زعامات وسادات سادت ثم بادت دون ان تضمهم كتب المتسولين.
 
الأردن ليس مجرد حجارة على جوانب الطرقات، بل هو مصير أمة جاءت بكل هذه المتنوعات البشرية على أرض مباركة، وقد حماها الأجداد منذ قرون بعيدة، إذ شهد هذا التراب ثورات بدأت منذ منتصف القرن الخامس عشر على الظلم الذي كانوا يرونه من جلادي تلك المرحلة، واستمرت القبائل بحربها ضد السلطة القاهرة حتى بداية القرن العشرين، وكل بلدة أو بادية تستطيع أن تقدم رواية متكاملة المعلومة عن بطولات أهلها، ولكن التاريخ الحديث ظلمهم لحساب جيل جديد ممن سادوا بمصالحهم على تاريخ هذا البلد الذي يخجل أهله اليوم من تقديم الرواية الحقيقية لتاريخهم المشرف خشية اتهامهم بالشوفينية والليكودية كما يتهمهم البعض..
 
نحن بحاجة اليوم لمنتج وطني يظهر التاريخ الحقيقي لهذا الشعب الذي تم تجهيل أبنائه ومحو ثقافته وحشره في زوايا اللهث وراء مستقبليات غيبية وأجهزة إلكترونية تمنحهم التفوق الزائف، وإلا فسيتحول الجيل إلى روبوتات تحوي شرائح معلوماتية لا تمت لعقيدتنا ولا لوطننا بصلة، فلا نحن مع عمالقة العالم في التكنولوجيا والصناعة ولا مع تاريخنا وواقعنا الحقيقي، ضائعون بين الجميع، ولهذا علينا أن لا نلوم الشباب عندما يجهل أو يخجل من تاريخه، بل نلوم ماكينات التغيير التي ابتلعت تاريخنا وقذفته بعيدا لحساب مرحلة يطرد فيها التاريخ والجغرافيا معاً.
 
Royal430@hotmail.com
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/16 الساعة 01:36