باسم السعيد
مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/11 الساعة 08:11
كل اسبوع كنا نلتقي في مكتبه، الوحيد الذي (يطبل) على كرشي أثناء الفحوصات هو الدكتور باسم السعيد، والوحيد الذي يجري لنا عمليات..التنظير، ويخبرنا بأفضل أدوية للقولون العصبي.. ويسمح لنا أن نشرب القهوة وندخن في (بلكونة) المكتب، ويقوم بالتوقيع على خصومات الأدوية، ويطعمك الشوكولاته..
قلت كل أسبوع كنا نلتقي في مكتبه، ونتحدث في السياسة وانخفاض الأجسام المضادة للكورونا في الجسم، ونتحدث في الحب والحياة...
كان موعدي معه يوم الإثنين الماضي، وذهبت إليه ومعي (رطل جميد).. لكني فوجئت حين أخبروني بأنه غادر إدارة المستشفى، وقرر أن يجلس في منزله...
باسم السعيد هو ليس بالوزير ولا برئيس مجلس إدارة بنك، ولا يملك قصورا في عمان..لا يملك مصانع للدخان، كل ما يملكه هو إبرة البنج التي كان يعطيني اياها كل عام ويطمئنني بأن القولون سليم، ويمازحني بأن الالام التي تأتيني هي (خطايا) من كتبت عنهم وربما كتبت لهم...
أجمل خبر تلقيته في حياتي كان من هذا الرجل، حين هاتفني ذات صباح.. ضاحكا وقال لي: (مش حكيتلك ما في شي مجرد التهابات)... وأجمل أشكال الإنسانية والمحبة تجدها في وجهه، ولكن في النهاية تحزن حين تكتشف أن رأس المال أحيانا يقرر بأكثر مما يقرر القلب، وبأكثر مما يقرر الحب..
شكرا لمدير مستشفى قاتل في زمن الكورونا، وشطب فواتير من لم يستطيعوا الدفع وأجل فواتير من تعثروا... كان يأتي من منزله في الفجر كي يتابع حالة ما... وكان يرسل بملاحظاته لوزارة الصحة، ويستقبل في مكتبه كل المرضى... ويجعلهم يخرجون وهم يؤمنون تماما بأن المرض (مجرد مزحة)...
أنا غضبت لأن هذا الرجل غادر موقعه الذي احترف فيه حب الناس، واحترف التفاني والصداقات... وأظن أن وظيفتي، ليست الكتابة عن الحكومات والوزراء والنواب ومشاكل البلد، وظيفتي أيضا تلزمني بأن أكتب عن القطاع الخاص وعن الإدارات التي أنتجت بصمة في حياة الناس، وأنتجت طمأنينة... وأعادت لهم الأمل بعد أن كان اليأس متغلغلا في النفوس..
باسم السعيد لم يكن مديراً عاماً لمشفى خاص، بل كان في زمن الكورونا مقاتلا شرسا.. حمل الفايروس، وحمل أوجاع الناس... وقاتل لأجلهم..
لا عليك يا رفيق، أنت قيمتك بما يحمل قلبك من حب وليس بالكرسي الذي تجلس عليه.. ولم أنظر لك يوما أنك طبيبي وطبيب المئات من الناس، بقدر ما نظرت لك بأنك الأخ.. الذي ينتقد ما أكتب، ويحب البلد.. ويغضب لأجل مرضاه.. ويقاتل من أجل علاجنا...
حماك الله.. أيها الجندي الشرس وصانع الفرح والابتسامات العذبة.
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/11 الساعة 08:11