اوراق بيد بايدن للرد على اوبك+ اخطرها قانون شيرمان ومشروع NOPEC

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/07 الساعة 10:36

 مدار الساعة - كتب: عامر الشوبكي *

   لم تنجح الدبلوماسية العامة للرئيس الامريكي بايدن في حث اوبك بلس على تسريع زيادة انتاج النفط، مما يرجح انحسار النفوذ الامريكي مع مجموعة كانت تولي اهتماما وثيقا لما تقوله واشنطن.
السيد بايدن قال امس انه لم يتوقع استجابة اوبك بلس لمطالبه وان الامر مختلف بين ضخ زيادة من النفط او ضخ ما يكفي من النفط، وان لدى الولايات المتحدة ادوات اخرى في ترسانتها للتعامل مع الدول الاخرى.
 فماذا بقي بيد واشنطن بعد ان اعادت اوبك بلس الكرة الى الملعب الامريكي، خاصة بعد ان رفعت المملكة العربية السعودية اسعار عقود بيع الخام العربي الخفيف ، و تعد هذه الزيادة السعرية على أساس شهري لآسيا، ثاني أكبر زيادة في 20 عاما، وفي ذلك اشارة على زيادة الطلب، مع توقع المزيد من الارتفاع على اسعار النفط العالمية.  
استخدام المخزون الاستراتيجي الامريكي
يبلغ المخزون الاستراتيجي الامريكي من النفط 622 مليون برميل لغاية اكتوبر الماضي، محفوظة في كهوف ملحية في الخليج الامريكي قرب اكبر تجمع للمصافي لسهولة المناولة، وتم تأسيس هذا المخزون في العام 1973-1974، في اعقاب نقص الامدادات و ازمة النفط العالمية في السبعينات.
وقد حدد قانون سياسة الطاقة وحفظها ظروف عديدة تتطلب استخدام الاحتياطي الاستراتيجي للنفط منها الكوارث الطبيعية او الغير طبيعية، والنقص في الانتاج او الاستيراد ، و الزيادة الحادة في أسعار المنتجات النفطية  بأثر سلبي كبير على الاقتصاد الوطني، وهذا الاخير متوفر الى حد ما، مما يتيح تشريعياً استخدام المخزون، وقد استخدمت اميركا بعض من مخزونها الاستراتيجي عدة مرات منذ تأسيسه، عدا عمليات الشراء والبيع المبرمجة سنوياً وشهرياً، و إذا أمر الرئيس بايدن ببيع طارئ من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، يمكن البدء بتسليم النفط إلى السوق في غضون 13 يوما. ويمكن ضخ النفط من الاحتياطي بمعدل أقصاه 4.4 مليون برميل يومياً، 
و اذا تم بيع من 30 الى 60 مليون برميل من مخزون النفط الامريكي، سينخفض سعر النفط بمعدل من 3% الى 6% يمتد على طول فترة البيع، لعلة هذه الخطوة بأثرها القصير و المحدود، متبوع بحجم الطلب العالمي وقساوة فصل الشتاء وازمة الغاز والفحم العالمية.
 
    زيادة الانتاج من النفط الصخري الامريكي
 
كان لإدارة السيد بايدن تأثير عميق على صناعة النفط والغاز الامريكية، وقام بإعطاء الأولوية لمكافحة تغير المناخ، وبعد شهر من استلامه اتخذ الرئيس بايدن إجراءات سريعة، حيث وقع أوامر تنفيذية تهدف إلى الحد من الانبعاثات، و تم ايقاف المصادقة على انبوب كيستون القادم من كندا، وفرض القيود على استثمارات الهيدروكربونات في الاراضي الفيدرالية، وأصدر أمر يوجه فيه الوكالات الاتحادية إلى إلغاء الإعانات المقدمة للوقود الأحفوري، 
ورغم صعوبة التراجع، 
الا ان الادارة الامريكية تستطيع الموافقة على مئات الطلبات المعلقة للحفر والتكسير لزيادة انتاج النفط او الغاز، وقد زاد انتاج النفط الصخري الامريكي بالفعل 200 الف برميل يوميا في شهر اكتوبر الماضي ليصل الى 11.5 مليون برميل يومياً، بعد ان أعلنت إدارة بايدن في اغسطس الماضي عن خطط لفتح ملايين الأفدنة للتنقيب عن النفط والغاز، الا ان الانتاج ما زال اقل من قبل جائحة كورونا، اذ كان يتخطى 13 مليون برميل يومياً، وهذا المستوى ما زال بعيداً، لأولويات الشركات الامريكية بسداد ديونها بعد الخسائر التي منيت بها اثر جائحة كورونا، وكذلك ما زالت بعض الشركات تتحوط بالتأمين عند سعر 50 دولار للبرميل في نصف انتاجها، مما يعني انها لم تجني كامل المكاسب بعد ارتفاع اسعار النفط.
  
مشروع “NOPEC” وقانون “شيرمان”
 
 تجرم القوانين الامريكية الاحتكار وتعتبره اضراراً في المجتمع من خلال خفض الناتج، وارتفاع الأسعار، وتميز بين القوة الاحتكارية و القوة السوقية مع وجود التنافسية، و منذ قرن يحظر قانون مكافحة الاحتكار المعروف باسم قانون شيرمان صراحة على الشركات الأميركية التواطؤ في أهداف الإنتاج لأن هذا يعادل تحديد الأسعار. وكافح قانون شيرمان الاحتكار في الصلب و السكر والتبغ والنفط وتعليب اللحوم، كما استعمل لتفكيك شركة “ستاندرد اويل” النفطية لمالكها جون روكفلر اسطورة النفط والمال، وزادت الحكومة الامريكية مع مرور الوقت من نطاق وقوة قانون شيرمان وتطور الى قوانين اخرى ليتناسب مع المعطيات واهداف الشركات والتجارة الحرة والتنافسية.
 
وفي عام 2007 وافقت اللجنة القضائية في مجلس النواب الامريكي على اقتراح قانون “NOPEC” اختصار “No Oil Producing and Exporting Cartels” (لا كارتلات لإنتاج وتصدير النفط)  الاقتراح من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتوسيع نطاق قانون مكافحة الاحتكار الامريكي، الا ان هذا القانون لم يحظى بالنجاح رغم طرحه اكثر من مرة وتزايد الحديث عنه بعد العام 2016 مع انضمام روسيا و دول اخرى الى اوبك لتشكيل مجموعة اوبك بلس، ومن شأن هذا القانون أن يخضع تجمعات وكارتلات النفط الأجنبية لقوانين مكافحة الاحتكار الأميركية، و في أبريل 2021 أقرت لجنة بمجلس النواب الأميركي مشروع قانون يتيح  إقامة دعاوى قضائية بحق منظمة أوبك لإنتاج النفط والدول التي تعمل معها بتهمة التواطؤ في رفع أسعار النفط، لكن لم ينظر في هذا القانون من المجلس بكامل هيئته، ورغم ان القانون ما زال مطروح ، الا أن الرفض جاء لعدة اسباب اهمها، 
ان الحصانة ضد قانون “NOPEC” تنبع من قانون أمريكي آخر وهو - قانون الحصانة السيادية الأجنبية - الذي يجعل من الصعب على الحكومات الأخرى الانجرار إلى المحاكم المحلية، كما أن الادارات الامريكية تعطي وزنا كبيراً للعلاقات الدبلوماسية مع الرياض ودول الخليج ومنعت هذه الخطوة.
  ورغم ان مشروع قانون NOPEC قد يجبر بعض  الأعضاء على التخلي عن أوبك، الا ان التشريع يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن برنامج "NOPEC" قد يسجل بعض النتائج الفورية، إلا أنه أمر سيء بالنسبة لأميركا والاقتصاد العالمي، يمكن لدول أوبك أن تتراجع عن استثماراتها الأمريكية لمنع الاستيلاء عليها، و السعودية تمتلك استثمارات تبلغ قيمتها تريليون دولار تقريبا في الولايات المتحدة، بما في ذلك استثمارات نفطية كبيرة، مثل مصفاة النفط الكبرى في تكساس.
والحقيقة هي أن أوبك غالبا ما تلعب دورا في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمية، و تفكيك أوبك باتخاذ إجراءات قانونية قد يؤدي إلى تصدع سوق النفط العالمية، الأمر الذي قد يتسبب في فترات "ازدهار وانهيار" أكبر وأكثر صعوبة.
ويمكن لدول أوبك أن تقطع تعاونها مع شركات النفط والغاز الأمريكية لصالح دول مثل روسيا. ويمكنها الرد على الإجراءات القانونية الأميركية من خلال الحد من استيراد السلع الأميركية الرئيسية الأخرى، مثل المنتجات الزراعية. 
 كما أن استهداف أوبك قد يؤدي إلى انقطاع إمدادات النفط وقد يرفع أسعار النفط، وليس خفضها. وفي النهاية، فإن تمرير قانون “NOPEC” يمكن أن يجعل قضايا سوق النفط اكثر من صراع اقتصادي أو سياسي و نتائجه لا يمكن التنبؤ بها وبالتالي تضر بالمستهلكين الأميركيين والاقتصاد الامريكي.
*  باحث اقتصادي متخصص في شؤون النفط والطاقة

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/07 الساعة 10:36