يحيى السعود

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/04 الساعة 01:46

 .. مرت الذكرى السنوية الأولى لرحيل يحيى السعود..

 
لن ينتج البرلمان الأردني شخصية مثله أبدا، وأظن أن حي الطفايلة يفتقده.. والدائرة الرابعة، والأصدقاء..
 
أعرفه منذ أن كان عضوا في مجلس أمانة عمان، وأعرفه حين أصبح نائبا.. كنت أكتب له أغلب الكلمات التي يلقيها، ولم يكن يجادلني في المحتوى.. ونقيم جلسات للتدريب على الإلقاء، ولم أكن أغضب منه إن رفع المجرور أو نصب الفاعل أو كسر المفعول.. يحيى يحق له أن ينتج نظرياته الخاصة في النحو والحياة.. ولكن لا يحق لغيره، أن يجعلوا منا درسا في الجر والرفع والنصب..
 
هو يمثل نظرية النمو الفطري، هو مثل شتلة نعنع نبتت دون تدخل من البشر.. مثل شجرة استقرت في سفح جبل، وتسأل في داخلك: هذا السفح لا تستطيع الأقدام الوصول إليه.. من زرع الشجرة؟ وتكتشف أن الطبيعة أوجدتها.. هو مثل الياسمين الذي تسلق الجدار عنوة.. وقرر أن يمر الناس من تحته.. هو هكذا أنتجته الطبيعة، والزواريب التي يذكر فيها اسم الله كل يوم.. أنتجته أكف الأم الحانية التي ظل مخلصا لها.. أنتجه (حي الطفايلة).. والناس هنالك مختلفة، فهي لم تقم ببناء حي بل بنت عائلة متماسكة مترابطة.. وكان المسجد هو الأب، والتراب الأردني ال?قي الحر هو الأم..
 
أنا شخصياً فقدت صديقا قريبا جدا مني، كان يسمع لنا.. ويسأل، هو لم يكن يعرف كل شيء ولم يدّعِ ذلك.. ولكن كان ينظر لنا أننا اكتمال الوعي والحب والحياة لديه..
 
لم أكتب عن يحيى لحظة وفاته، تركت لغيري أن يعبر.. وقررت أن أكتب عنه اليوم، وأعرف أنني سأفتقد المشاجرات معه.. تلك التي تندلع على لا شيء، وسنفتقد بحثه عن مصلى في دوائر الحكومة.. سنفتقد وجبة الغداء التي تعد على عجل.. ونظرية الملوخية التي أنتجها وتتمثل بأن هذه (الطبخة) للشرب وليس لخلطها مع الرز.. سنفتقد، محلات الألبسة.. والبنطال الذي تفتق لحظة أن ارتداه يحيى..
 
للعلم في جهاز حاسوبي أقوم أحيانا بجمع مقالاتي في ملف، وجمع القصائد التي أحبها والأغاني التي أحبها في ملف.. والكرك لها ملف.. وهنالك في الأعلى يوجد ملف باسم يحيى السعود فيه كل ما كتبته من كلمات للجنة فلسطين ولزياراته إلى الضفة.. وحديثه في البرلمان واسمه ملف (يحيى).. بقيت للان محتفظا به.. ولن أقوم بشطبه أبدا..
 
أخي يحيى.. حين قرأت خبر رحيلك، بكيت عليك.. صدقني لم يكن بالبكاء أبدا بل كان نحيبا.. كأنني ذاك الذئب الجريح الطريد في برية الله ويبحث عمن يداوي الجرح.. بكيت وهربت في سيارتي وحدي أجوب شوارع عمان.. كان في العمر مساحة بعد لشغبك وصراخك.. ولتمردك ولضحكاتك، ولكنها إرادة الله التي اختارتك.. أن تكون في عليين، وتترك حياتنا تلك التي صارت الأقنعة فيها.. نمطا وطريقة..
 
رحمك الله.. وستبقى في ذاكرتنا، يحيى الطفيلي الذي قرر أن يصعد.. على سفح الحياة والضحكات والألم، وأن يخط اسمه في دفتر الأردن.. كصانع للفرح وكمنتصر على الشقاء..
 
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/11/04 الساعة 01:46