رمضان وبناء القوة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/06/14 الساعة 00:08

أشرت في مقال سابق إلى دلالات الربط الوثيق والمُحكم بين عبادات الصوم والزكاة والجهاد, وتزامن فرضها في السنة الثانية للهجرة, وبينت كيف أن رمضان لم يكن في تاريخ المسلمين شهر كسل وتقاعس, ولكنه كان شهر الإنجازات التاريخية الكبرى, من خلال إيجاز مختصر للانتصارات العسكرية الكبرى, التي حققها المسلمون في شهر رمضان على امتداد تاريخهم, وفي فترات نهوضهم الحضاري, وهذه الانتصارات العسكرية التي هي تجلي للقوة العسكرية للمسلمين ما كانت تتم لو لم تسبق بناء القوة العسكرية, بناء مكونات أخرى من مكونات القوة الشاملة للأمة, وهي المكونات التي يلعب رمضان دوراً حاسماً في بنائها, وأول ذلك القوة الاقتصادية.

لعل بناء القوة الاقتصادية للأمة أحد دلائل الحكمة من ربط تشريع عبادة الصيام بعبادة الزكاة كما أنها أحد دلائل السلوك النبوي, فقد كان رسول الله جواداً لكنه كان أجود ما يكون في رمضان, ولعل هذا سر إقبال المسلمين على الصدقة والإنفاق في رمضان, لكن هذا الإنفاق كان في السابق يذهب في طريقه السليم, الذي أنتج مفهوم الوقف في الإسلام, واجتث الفقر من المجتمع, حتى كان ولي الأمر يبحث عن طالب صدقة فلا يجده, قبل أن تظلنا أزمان صار فيها الفقر والجوع قاعدة تتسع يوماً بعد يوم, وصارت الصدقات مجرد وسائل للتهرب الضريبي, أو للنشاط الإعلاني, أو للرياء الاجتماعي, في ظل تفريغنا للعبادات من مضامينها, ومن مقاصدها الشرعية. من هنا دعواتنا المتكررة إلى إصلاح مسار الصدقات وتوظيفها في مشاريع إنتاجية توفر فرص عمل وتبني قوة المجتمع الاقتصادية, وهي دعوة تستوجب متابعة العمل لإحياء دور الوقف في حياتنا, كمكون أساسي من مكونات القوة الاقتصادية للدولة والمجتمع.

إن بناء القوة الاقتصادية وفق التصور الإسلامي, يرتبط ارتباطاً وثيقا ببناء لون آخر من ألوان القوة, أعني به القوة النفسية التي يلعب رمضان دوراً حاسماً في بنائها, فعندما ربط الإسلام بين الصيام والزكاة, فقد جعل ذلك مفتاحاً لمحاربة شح النفس وحب المال, وهو مفهوم كرسه مفهوم آخر من مفاهيم العبادة في الإسلام, وهو مفهوم الجهاد بالمال, وهو الجهاد الذي كان يتسابق اليها خيرة الخيرة من صحابة رسول الله, فمنهم من كان يتبرع بماله كله, ومنهم من كان يتبرع بنصف ماله...إلخ, وهكذا كان المسلمون الأوائل يتبارون في معركتهم مع شح النفس وحب المال, وهو تباري كان يقود إلى بناء قوة المجتمع الاقتصادية وتكافله الاجتماعي, فلا يؤتين من قبل جائع أو فقير, ولا يصبح الفقر والجوع مرتعاً لمتعصب أو متطرف كما نشهد في أيامنا هذه.

كثيرة هي أنواع القوة ومكوناتها التي يلعب رمضان دوراً حاسماً في بنائها, وأول ذلك دوره في بناء القوة النفسية من خلال بنائه لقدرات الصائم على كبح الشهوات, وبناء قدراته على الصبر والتحمل, وهذه كلها من مكونات القوة الشاملة القادرة على بناء المجتمع القوي الذي نطمح إليه, فهل نعي حكم الصوم الحقيقية وأنه ليس مجرد امتناعاً عن الطعام والشراب؟.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/06/14 الساعة 00:08