التعديلات الدستورية: حصانة الوزراء والنواب (4)
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/17 الساعة 07:13
تمثل الاختصاص الرئيسي للجنة التعديلات الدستورية في مراجعة آليات العمل النيابي، والتي تشمل الأعمال التي يقوم بها مجلسا الأعيان والنواب وفق أحكام الدستور.
وفي هذا الإطار، تم الوقوف عند الدور الذي يقوم به مجلس النواب في مجال المسؤولية الوزارية الجنائية، حيث تشترط المادة (56) من الدستور لملاحقة الوزراء عما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم، أن يصدر بهذا الخصوص قرار إحالة عن مجلس النواب.
وقد سبق للمجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (1) لسنة 1990 أن توسع في مفهوم «الوزير» ليشمل الوزير العامل وغير العامل. وهذا الحكم يعد خروجا عن القاعدة العامة التي تكرس الاختصاص الأصيل للنيابة العامة في تحريك دعوى الحق العام، وبأن الاستثناء يجب ألا يتم التوسع في تطبيقه وتفسيره. فكان مقترح لجنة التعديلات الدستورية أن يقتصر دور مجلس النواب على إحالة الوزراء العاملين فقط إلى النيابة العامة، دون الوزراء السابقين.
فبعد إقرار هذا التعديل المقترح، لن يكون بمقدور الوزير غير العامل (السابق) أن يتمسك بوجود «حصانة» دستورية تحول دون مثوله أمام النيابة العامة، إذ سيكون بإمكان الإدعاء العام البدء بالإجراءات الجزائية في مواجهته، عن الجرائم التي ارتكبها أثناء عضويته في مجلس الوزراء دون الحاجة لقرار من مجلس النواب.
وبخصوص محاكمة النواب والأعيان، فقد منحت المادة (86) من الدستور أعضاء مجلس الأمة حصانة إجرائية، بحيث لا يجوز توقيف العضو أو محاكمته أثناء اجتماع المجلس، ما لم يصدر عن المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة برفع الحصانة عنه.
وقد وسعت المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري رقم (7) لسنة 2013 نطاق هذه الحصانة، فاعتبرتها مطلقة من حيث زمان وقوع الفعل المرتكب، وبأنها تشمل الجرائم التي يرتكبها النائب أو العين قبل عضويته في مجلس الأمة، بالإضافة إلى أنها تغطي الجرائم غير المرتبطة بالوظيفة النيابية.
إن الحصانة النيابية تعتبر ميزة دستورية لأعضاء مجلسي الأعيان والنواب لكي لا ينشغلوا بإجراءات التقاضي عن حضور جلسات المجلسين. إلا أن القواعد الإجرائية في القضايا الجزائية قد تغيرت، فلم يعد يشترط حضور المشتكى عليه جميع جلسات المحاكمة، إذ يمكن أن يَمثُل من خلال وكيله القانوني. لذا، اقترحت لجنة التعديلات الدستورية تعديل نطاق الحصانة النيابية وحصرها على عدم جواز توقيف العضو أثناء جلسات المجلس دون محاكمته.
وتتمثل النتائج المترتبة على إقرار هذا التعديل الدستوري، أنه سيصبح بالإمكان ملاحقة النائب جزائيا أثناء اجتماعات المجلس ومحاكمته دون الحق في توقيفه، مع ثبوت الحق للنيابة العامة أو قاضي الصلح بوقف إجراءات التحقيق والمحاكمة إذا ثبت أن الشكوى المقدمة بحق النائب أو العين كيدية، وأنها لا تقوم على أساس قانوني سليم.
إن الدساتير المقارنة الحديثة قد غيرت من النهج المتبع في تقرير الحصانة النيابية لصالح تطبيقها بحدودها الدنيا. فالفصل (64) من الدستور المغربي لعام 2011 حظر إلقاء القبض على عضو مجلس النواب واعتقاله ومحاكمته بمناسبة إبدائه لرأي أو تصويت أثناء مزاولته مهام عمله دون الجرائم التي يرتكبها، على أن يستثنى من هذا الحظر حالة أن يكون الرأي المعبّر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي. كما قيّد الفصل (68) من الدستور التونسي لعام 2014 نطاق الحصانة النيابية، فحظر التوقيف والمحاكمة عن الأعمال التي يقوم بها عضو مجلس النواب، والتي تكون مرتبطة بمهامه النيابية فقط دون باقي الأفعال الجرمية الأخرى.
laith@lawyer.com
الرأي
وفي هذا الإطار، تم الوقوف عند الدور الذي يقوم به مجلس النواب في مجال المسؤولية الوزارية الجنائية، حيث تشترط المادة (56) من الدستور لملاحقة الوزراء عما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم، أن يصدر بهذا الخصوص قرار إحالة عن مجلس النواب.
وقد سبق للمجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (1) لسنة 1990 أن توسع في مفهوم «الوزير» ليشمل الوزير العامل وغير العامل. وهذا الحكم يعد خروجا عن القاعدة العامة التي تكرس الاختصاص الأصيل للنيابة العامة في تحريك دعوى الحق العام، وبأن الاستثناء يجب ألا يتم التوسع في تطبيقه وتفسيره. فكان مقترح لجنة التعديلات الدستورية أن يقتصر دور مجلس النواب على إحالة الوزراء العاملين فقط إلى النيابة العامة، دون الوزراء السابقين.
فبعد إقرار هذا التعديل المقترح، لن يكون بمقدور الوزير غير العامل (السابق) أن يتمسك بوجود «حصانة» دستورية تحول دون مثوله أمام النيابة العامة، إذ سيكون بإمكان الإدعاء العام البدء بالإجراءات الجزائية في مواجهته، عن الجرائم التي ارتكبها أثناء عضويته في مجلس الوزراء دون الحاجة لقرار من مجلس النواب.
وبخصوص محاكمة النواب والأعيان، فقد منحت المادة (86) من الدستور أعضاء مجلس الأمة حصانة إجرائية، بحيث لا يجوز توقيف العضو أو محاكمته أثناء اجتماع المجلس، ما لم يصدر عن المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة برفع الحصانة عنه.
وقد وسعت المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري رقم (7) لسنة 2013 نطاق هذه الحصانة، فاعتبرتها مطلقة من حيث زمان وقوع الفعل المرتكب، وبأنها تشمل الجرائم التي يرتكبها النائب أو العين قبل عضويته في مجلس الأمة، بالإضافة إلى أنها تغطي الجرائم غير المرتبطة بالوظيفة النيابية.
إن الحصانة النيابية تعتبر ميزة دستورية لأعضاء مجلسي الأعيان والنواب لكي لا ينشغلوا بإجراءات التقاضي عن حضور جلسات المجلسين. إلا أن القواعد الإجرائية في القضايا الجزائية قد تغيرت، فلم يعد يشترط حضور المشتكى عليه جميع جلسات المحاكمة، إذ يمكن أن يَمثُل من خلال وكيله القانوني. لذا، اقترحت لجنة التعديلات الدستورية تعديل نطاق الحصانة النيابية وحصرها على عدم جواز توقيف العضو أثناء جلسات المجلس دون محاكمته.
وتتمثل النتائج المترتبة على إقرار هذا التعديل الدستوري، أنه سيصبح بالإمكان ملاحقة النائب جزائيا أثناء اجتماعات المجلس ومحاكمته دون الحق في توقيفه، مع ثبوت الحق للنيابة العامة أو قاضي الصلح بوقف إجراءات التحقيق والمحاكمة إذا ثبت أن الشكوى المقدمة بحق النائب أو العين كيدية، وأنها لا تقوم على أساس قانوني سليم.
إن الدساتير المقارنة الحديثة قد غيرت من النهج المتبع في تقرير الحصانة النيابية لصالح تطبيقها بحدودها الدنيا. فالفصل (64) من الدستور المغربي لعام 2011 حظر إلقاء القبض على عضو مجلس النواب واعتقاله ومحاكمته بمناسبة إبدائه لرأي أو تصويت أثناء مزاولته مهام عمله دون الجرائم التي يرتكبها، على أن يستثنى من هذا الحظر حالة أن يكون الرأي المعبّر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي. كما قيّد الفصل (68) من الدستور التونسي لعام 2014 نطاق الحصانة النيابية، فحظر التوقيف والمحاكمة عن الأعمال التي يقوم بها عضو مجلس النواب، والتي تكون مرتبطة بمهامه النيابية فقط دون باقي الأفعال الجرمية الأخرى.
laith@lawyer.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/17 الساعة 07:13