صديقي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/17 الساعة 07:11
في طفولتي كنت أذهب للمدرسة الابتدائية من طريق مختصرة، بين المنازل وفي الزواريب.. وحين ننتهي من تعب الكتب, وضرب المعلمات.. أعود مع صديقي محمود.. من نفس الطريق المختصرة ومن ذات الزواريب..
كان لا بد أن نعبر من عند جار لديه حمار.. وقد قام بربطه أمام الدار, وكنا نتسلى أنا ومحمود مع الحمار, فالسندويشات التي نأخذها للمدرسة إما (زيت وزعتر) وإما (تطلي) أو (لبنة).. ولأن وفرة الحب كانت مثل وفرة الخبز, نادراً كنا ما نكمل السندويشة... وبدلاً من وضعها على السور, نعيدها معنا من أجل الحمار.. كانت التقوى قد ولدت معنا ومعرفة الله في قلوبنا, وكان ذنبا لا يغتفر بالنسبة لنا أن نرمي قطعة خبز على الأرض..
في الساعة (12) ظهرا ولحظة مغادرتنا المدرسة كنا نحس أنا ومحمود أن الحمار ينتظرنا, وهو يأكل كل شيء ولا يرفض شيئاً أبداً.. حين نصل نخرج بقايا السندويشات ونطعمها له, وكان لا يعارض إن امتطاه محمود قليلاً أو امتطيته قليلاً.. أو قدناه في طريق دائري ثم عدنا لربطه, كان مطواعاً جداً وودوداً...
صرت حتى في جوعي الشديد, أترك نصف سندويشتي للحمار, ومحمود أحياناً لم يكن يترك له شيئا, ولكنه كان يشاركني متعة اطعام الحمار... وبقينا على هذه الحال طوال عام كامل... لدرجة أن الحمار صار صديقنا, وعلينا أن نمضي وقتا من اللعب معه حين العودة.. وكنت أظن أن قبوله أن امتطيه هو تعبير عن الشكر والامتنان..
فيما بعد تطور الأمر, وصرت أزيد من حجم سندويشتي لأجل حصة الحمار.. وهو يأكل كل شيء.. ولا يتردد.
في نهايات الصف الرابع الابتدائي, وذات عودة مبكرة من المدرسة... فوجئت أنا ومحمود, بمجموعة من الرجال, قد وضعوا الحمار في (بكم).. ويبدو أن المالك قام ببيعه... وسيتم نقله, عرفت أن صديقي... سيغادر وموعدنا اليومي معه.. سيلغى, كانت نظرته من خلف صندوق (البكم) مؤلمة, ولكن بما أنه كان اخر لقاء بيننا.. رميت له بحصته من السندويشة, وكنت أعتقد... أنه ربما سيعود يوماً.. ربما استأجره أحدهم لنقل متاع وإعادته, ربما استأجروه للحراثة أو لحمل الأمتعة.. ولكني شاهدت صاحبه قد قبض الثمن... وأدركت لحظتها أن بيعه صار أمراً واقعاً وعلي أن أتقبل..
لقد فقدت صديقاً, كان يقبل أن يحملني على ظهره... وكنت أقوده ويسير خلفي.. وكنت أحس كل يوم بأنه كان ينتظرني...
لم أستطع أن أغير حجم (سندويشتي), ظلت كما هي.. وحصة الحمار لم تتغير.. ولكني صرت بدلاً من إطعامها له, أقوم بأكلها أنا... صدقوني أني كنت أتألم حين أبدأ بقضم الجزء الثاني من السندويشة لأني أشعر بأني أكلت حصة الحمار...
منذ ذلك التاريخ وسندويشات (الزيت والزعتر واللبنة والتطلي).. أصنعها بضعف ما أحتاج, وكأنني لم أنس حصة الحمار أبداً.. مع أني موقن جداً أنه مات وغادر العمر... لكنه ومنذ أن كان عمري (10) سنوات لم يغب عن بالي أبدا..
لقد كنت صديقاً وفياً للحمار.. لكني للأسف أكلت حصته..
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي
كان لا بد أن نعبر من عند جار لديه حمار.. وقد قام بربطه أمام الدار, وكنا نتسلى أنا ومحمود مع الحمار, فالسندويشات التي نأخذها للمدرسة إما (زيت وزعتر) وإما (تطلي) أو (لبنة).. ولأن وفرة الحب كانت مثل وفرة الخبز, نادراً كنا ما نكمل السندويشة... وبدلاً من وضعها على السور, نعيدها معنا من أجل الحمار.. كانت التقوى قد ولدت معنا ومعرفة الله في قلوبنا, وكان ذنبا لا يغتفر بالنسبة لنا أن نرمي قطعة خبز على الأرض..
في الساعة (12) ظهرا ولحظة مغادرتنا المدرسة كنا نحس أنا ومحمود أن الحمار ينتظرنا, وهو يأكل كل شيء ولا يرفض شيئاً أبداً.. حين نصل نخرج بقايا السندويشات ونطعمها له, وكان لا يعارض إن امتطاه محمود قليلاً أو امتطيته قليلاً.. أو قدناه في طريق دائري ثم عدنا لربطه, كان مطواعاً جداً وودوداً...
صرت حتى في جوعي الشديد, أترك نصف سندويشتي للحمار, ومحمود أحياناً لم يكن يترك له شيئا, ولكنه كان يشاركني متعة اطعام الحمار... وبقينا على هذه الحال طوال عام كامل... لدرجة أن الحمار صار صديقنا, وعلينا أن نمضي وقتا من اللعب معه حين العودة.. وكنت أظن أن قبوله أن امتطيه هو تعبير عن الشكر والامتنان..
فيما بعد تطور الأمر, وصرت أزيد من حجم سندويشتي لأجل حصة الحمار.. وهو يأكل كل شيء.. ولا يتردد.
في نهايات الصف الرابع الابتدائي, وذات عودة مبكرة من المدرسة... فوجئت أنا ومحمود, بمجموعة من الرجال, قد وضعوا الحمار في (بكم).. ويبدو أن المالك قام ببيعه... وسيتم نقله, عرفت أن صديقي... سيغادر وموعدنا اليومي معه.. سيلغى, كانت نظرته من خلف صندوق (البكم) مؤلمة, ولكن بما أنه كان اخر لقاء بيننا.. رميت له بحصته من السندويشة, وكنت أعتقد... أنه ربما سيعود يوماً.. ربما استأجره أحدهم لنقل متاع وإعادته, ربما استأجروه للحراثة أو لحمل الأمتعة.. ولكني شاهدت صاحبه قد قبض الثمن... وأدركت لحظتها أن بيعه صار أمراً واقعاً وعلي أن أتقبل..
لقد فقدت صديقاً, كان يقبل أن يحملني على ظهره... وكنت أقوده ويسير خلفي.. وكنت أحس كل يوم بأنه كان ينتظرني...
لم أستطع أن أغير حجم (سندويشتي), ظلت كما هي.. وحصة الحمار لم تتغير.. ولكني صرت بدلاً من إطعامها له, أقوم بأكلها أنا... صدقوني أني كنت أتألم حين أبدأ بقضم الجزء الثاني من السندويشة لأني أشعر بأني أكلت حصة الحمار...
منذ ذلك التاريخ وسندويشات (الزيت والزعتر واللبنة والتطلي).. أصنعها بضعف ما أحتاج, وكأنني لم أنس حصة الحمار أبداً.. مع أني موقن جداً أنه مات وغادر العمر... لكنه ومنذ أن كان عمري (10) سنوات لم يغب عن بالي أبدا..
لقد كنت صديقاً وفياً للحمار.. لكني للأسف أكلت حصته..
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/17 الساعة 07:11