اَلْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ اَلْأَنْبِيَاءُ-عَبْدُ اَلْقَدِيْرُ خَانُ مِثَالاً
اختص الله من بداية هذا الكون من ذرية بني آدم بني إسرائيل بالكتب السماوية وبالنبوة وبالحكمة (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (البقرة: 269)) وَفَضَّلْهم على العالمين ورزقهم من الطيبات وأتاهم بيَّنات من أمور دنياهم وآخرتهم إلا أنهم إختلفوا فيما بينهم من بعد ما أعطاهم العلم وبغى بعضهم على بعض، إلا أن الله أجَّلَ القضاء فيما بينهم ليوم القيامة ليتم أمر الله الذي كتبه منذ الأزل (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (الجاثية: 16 و 17)). فنجد من بني إسرائيل الحكماء والعلماء والفلاسفة والمخترعون.. إلخ، سابقاً وحاضراً ومستقبلا، وهذا طبيعي جداً لأنهم أول من أرسل الله لهم الرسل والأنبياء وأنزل عليهم الكتب السماوية فلا غرابة في ذلك، لأن لهم السبق في ذلك. كما أن الله أعطى العلم والحكمة . . , إلخ لغير جنسهم من عباده من أتباع الرسالة المسيحية والديانة الإسلامية ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (الزمر: 9)). كما أن الله رفع العلماء درجات على بعضهم البعض (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف 76)).
ونجد ان أول من يهتدي من بني آدم إلى الله ويخشونه هم العلماء ((وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (فاطر: 28))، وكلما تبحر العلماء في علومهم يصلون إلى قناعة تامة أن ما وصلوا إليه من العلم لا يساوي رأس الدبوس (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء: 85)).
ولهذا نجد أن كثيراً من العلماء في العالم من جنسيات مختلفة قد أسلموا ودخلوا دين الإسلام برغبتهم وبقناعتهم أمثال فيكتور هوجو الفرنسي وليس كما يقول بعض أعداء هذا الدين بالقوة أو بالسيف (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة: 256 و 257)). وهناك أمثله كثيرة على علماء الإسلام والمسلمين ولكن وجب علينا أن نستذكر ونترحم على روح العالم الباكستاني الجليل والكبير، عبد القدير خان، الذي توفاه الله يوم الأحد الموافق 10/10/2021 بعد إصابته بفيروس كورونا عن خمس وثمانين عاماً من العمر. وينظر إليه في باكستان كبطل قومي لأنه جعل بلده أول قوة نووية إسلامية في العالم حيث فجَّرت باكستان أول قنبلة نوويه أقوى بعدة مرَّات من القنبلة النووية الهندية في عام 1998، وقد آثر خان مصلحة بلده عن مصلحته الخاصة وعما سيجنيه من ملايين الدولارات لو إستمر في الدول الغربية. ويعتبره الغرب مسؤولا عن تهريب التكنولوجيا النووية إلى كل من كوريا الشمالية وإيران وليبيا، وفي عام 2004، أقر خان على شاشة التلفزيون بتسريب أسرار نووية إلى ليبيا وكوريا الشمالية وإيران، لكن، بعد احتجاج دولي وتحقيقات. ووضع خان قيد الإقامة الجبرية في إسلام أباد منذ العام 2004. في عام 2009، قضت المحكمة بإنهاء وضعه رهن الإقامة الجبرية ومنذ ذلك الحين، بقي خاضعاً لرقابة شديدة، وكان مجبرا على إبلاغ السلطات بكل تحركاته. رحمة الله عليه وعلى رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو الذي تبناه وأحضره من هولندا وسهل له كل ما يحتاج لتطوير القنبلة النووية بسرية كاملة. روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله ﷺ : إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.