الخارطة

مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/06 الساعة 07:34
أسهل شيء في الرسم هو خارطة فلسطين، كنت أتقنها.. جيدا ولا أعرف لماذا هل لأن الشكل بسيط أو جميل أو يشبه الخنجر؟... لا أعرف صدقا لكن ياما رسمتها على الجدران في طفولتي، وياما عبأت ورق الدفتر بها.. حتى في حصص الفن كانت أسهل لوحة, وكنت في كل حصة أقدمها للأستاذ.. الأطفال كانوا يرسمون شجرة وأحياناً نخلة وبعضهم رسم جملاً, أنا كنت مختصاً بتلك الخارطة.. كنت ألون داخلها... ولم يعتب علي أستاذ أو يطلب مني تغيير اللوحة..

ياما تعثرت في رسم الأشجار, وحتى الوجوه لم تكن متقنة معي.... حاولت ذات يوم رسم سميرة توفيق فقد كنت أحبها، حاولت رسم صقر.. لكن يدي لم تكن تتقن الخطوط جيداً...

في طفولتي ولكي أعبئ وقتي, كنت استل قلم الرصاص.. وأجربه على حيطان الممرات.. وأرسمها تارة كبيرة وتارة صغيرة, كانت أمي تنتج تحقيقاً مكثفاً ولكن في النهاية كنت المدان الوحيد.. لأني الوحيد من أطفال عائلتي الذي يرسمها.. ولأنها صارت مثل الدمغة التي تدل على شغبي, لهذا لم استطع الكذب أو التنصل يوماً من الاعترافات.. ويكون العقاب دوما بحجم الخارطة ونوعية القلم..

فيما بعد اكتشفت أن الكل يجيد رسمها, لست وحدي من تفوق في ذلك.. فإذا أعطيت طفلاً في الخامس الابتدائي قلماً.. حتماً سيرسمها, حاولت أن أبحث عن الأسباب.. ولكن يبدو أن تكرار ظهورها في الإعلام, وكونها قضية حاضرة في الذهن.. والكل يتحدث عنها.. رسخت في عقول الأطفال, ناهيك عن جمالية الشكل وسهولة الخطوط وانسيابيتها...

الآباء يورثون أطفالهم الشغب, والبارحة استغربت حين دخلت على غرفة أصغر أولادي.. ووجدتها على الحائط, وعلى طرف السرير.. كانت رسمته متقنة مثل رسمتي حين كنت في عمره, ولكن الغريب أني كنت أركز على بحيرة طبريا.. وهو على ما يبدو نسي البحيرة, أنا لم أعاقبه لأني أصلا أكره الجدران ولا أحبها.. كل ما فعلته أني نبهته لمكان البحيرة... ناهيك عن أن البحر الميت في زمني كان ما زال ممتداً ولم يجف... يبدو أن البحر في عمرهم جف... فهو لم يرسمه كله بالخطوط المتعرجة...

في طفولتنا الأصل أن نرسم على الجدران وردة, أو شجرة.. أو جملا أو عصفوة محلقة... ولكن تلك ظاهرة صرت ألحظها في منزلي.. وصرت ألحظها عند الأطفال.. كلهم يجيدون رسم خارطة فلسطين ويستمتعون بإجادتها..

المهم أني كبرت وغابت الجدران.. وظلت فلسطين في ذهني, وابني الذي ترس حيطان غرفته بالخارطة سيكبر وسيترك الجدران.. لكن اتقانه لرسم الخارطة سيبقى حيا معه...

إسرائيل مثل الجدران التي نرسم عليها, حتى لو كانت قاسية وصلبة ومسلحة بالحديد والباطون... إلا أن الجدران تهدم وتغيب, لكن المهم ما يبقى في العقل... وكل ما ظل من طفولتي, هو إجادتي لرسم خارطة فلسطين..

ويقولون القضية ستموت! لا تقلقوا مادام أطفالنا يرسمونها على الجدران.. فتأكدوا أن الجدران هي من ستموت, وستبقى فلسطين...

Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي
  • لب
  • مال
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/06 الساعة 07:34