جلالة الملكة والشبكة الإنسانية

مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/04 الساعة 10:04
بقلم: منال أبورمان
في رسالة مسجلة أمام رؤساء دول وعدد من المسؤولين وقادة الفكر ، تحدثت جلالة الملكة رانيا العبدالله إلى المجتمع الدولي في المنتدى الإنساني العالمي (WHF) في نيويورك وذلك في الإسبوع الماضي، يوم الثلاثاء 21 سبتمبر.
تضمنت تلك الرسالة دعوة للجميع بتبني الأمل في مواجهة التحديات التي مرت بها الإنسانية خلال الفترة الماضية وتجنب أشكال التفكير السلبي الذي فرضتها تلك الظروف. وأشارت جلالتها إلى الأزمة الصحية العالمية وكيف أن الإنسانية جمعاء لم تقدم أمثل صورة للتواصل عبر الشبكة المعلوماتية التي أُوجدت بالأساس لخدمتنا ولتقريبنا من بعضنا البعض. في الواقع ترى جلالتها أنه لو نجحنا في تلك الظروف في إدارة مشاعرنا واستطعنا أن نتواصل بشكل أفضل لكان من شأن ذلك مساعدتنا في تقليل خطورة الوضع وتحويل التحديات إلى فرص. ببساطة، 'لا يمكن للعلم والتكنولوجيا أن ينقذانا لوحدهما!' إننا نحتاج فهمًا إنسانيًا مشتركًا لكي ننجو.
وهنا استوقفني مفهوم قدمته جلالتها أراه يحمل زخمًا من المعنى والدلالة وتشخيصًا لحالةٍ خاصةٍ عشناها، أو لربما شخصناها بعد الجائحة. إنه مفهوم 'الشبكة الإنسانية.' أكاد أجزم أن هذا المفهوم بالطريقة التي تم توظيفه بها داخل سياق الرسالة يحمل دلالاتٍ جديدة مرتبطة بحالة إنسانية خاصة ظهرت نتيجة للانعزال الذي فرضته جائحة كورونا، الأمر الذي أدى في المحصلة إلى اضمحلال الإنسانية في غياهب الاتصال عبر الشبكة المعلوماتية. في الوقت ذاته، لا أرى في دلالات ذلك ذمًا للشبكة المعلوماتية، بل هي شبكتنا الإنسانية التي ترهلت ووهنت. الأمر الأكثر خطورة هو أننا بدأنا بإلقاء اللوم على كل أشكال التواصل والتفاعل عن بعد، وانشغلنا بذلك متناسين حجم الخطورة الصحية التي تخطيناها. إننا فعلًا بحاجة إلى 'شبكة إنسانية' أكثر متانة مبنية على تواصل أفضل.
في الحقيقة الرسالة مليئة بالتفاصيل التي يمكن أن تشكل بوصلة توجه مسارات المرحلة القادمة، وهنا أود التركيز على ما أوردته جلالتها عن التعليم، ولعل الأدق أن أقول أنني أود إسقاط بعض تفاصيل الرسالة على التعليم تحديدا. رغم أن الرسالة تحدثت كثيرا عن الأمل، إلا أن الإشارة إلى 'التقوقع على الذات' والتوجه نحو 'مصالح ذاتية ضيقة' هو أحد أهم أسباب ضعف 'الشبكة الإنسانية' كما شخصتها جلالة الملكة.
في السياق ذاته، تقدم جلالتها 'العمل الجماعي' كحجر زاوية في مرحلة تأسيس شبكة إنسانية متينة. ولا يخفى على أحد اهتمام وزارة التربية والتعليم في تثبيت قيمة العمل الجماعي لدى الطلبة من خلال التركيز على أداء العديد من المهمات الدراسية من خلال عمل المجموعات والثنائيات. من المؤكد أن هذا الاهتمام لم يأتي عشوائيًا، أو كما يظن البعض أنه صدى لما يتردد في بعض الأنظمة التربوية العالمية، بل هو جزء من خطة مدروسة وممنهجة تبنتها وزارة التربية والتعليم عن قناعة بأهمية العمل الجماعي في بناء شبكة إنسانية قوية تشكل مستقبل دولة قوية. هذه الشبكة الإنسانية أيضًا تشكل المجتمعات الراقية والقادرة على التواصل الفاعل والآمن بعيدا عن أي إساءة أو حتى تنمر (أركز هنا على التنمر الإلكتروني تحديدًا لزيادة نسبته بين الطلبة في الفترة الأخيرة). والأهم من ذلك، هذه الشبكة ستكون حرزا أمام أزمات المستقبل. لقد أجبرتنا الجائحة على تبني طرق تفكير جديدة والعمل باستراتيجيات أكتر استدامة وتوافقًا مع معطيات العصر الحالي. لقد تمكن المجتمع التربوي (الطلبة، والأهالي، والمعلمون والمعلمات) من التعرف إلى معارف ومهارات جديدة كان من الصعب تحصيلها جماعيًا بغير تلك الظروف، على الأقل ليس بالتسارع ذاته. لقد تأقلمنا وبسرعة ، وتعلمنا 'رغم اتساع الفجوات' المكانية. تلك الخبرة تثمنها جلالتها وترى فيها فرصة للبناء على ماتم إنجازه في التعليم عن بعد والتعليم المدمج لنصل نحو أهداف المستقبل.
تلك الرسالة الإنسانية والمشحونة بالأمل والدافعية كانت خاتمتها تتويجا لما ورد فيها من محطات فكرية. تنهي جلالتها بتأكيدها أنه فقط عبر شبكة إنسانية متينة يقودها تواصل سليم محكوم بالثقة والتوافق سنقضي على الفاقد التعليمي، وسنكون قادرين على أن 'نقدم معرفة وأمل جديدين' للعالم من حولنا.
رسالة الملكة، على الأقل كما التقطتها أنا، هي دعوة لإنقاذ تعليمنا وأبنائنا من خلال رؤية مشتركة توجهها ثقة بالجهد الجماعي وقبول التغيير الذي تتطلبة المرحلة واتفاق على الأهداف وتعاون في تنفيذها.

مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/04 الساعة 10:04