نسرين ابو رب تكتب: ورق أيلول

بقلم الكاتبة نسرين أبوالرُّب أزفَ أيلول على الرحيل يحمل في ثنايا معطفه برد التشارين ورائحة الحطب المشتعل في كانون. وتتساقط أوراقه معلنة عن انقشاع سماء الصيف وآب اللهاب لتعلن للكون أن رحلة الحياة مستمرة بين يقظة وسبات، فناء وخلود. ورق أيلول يتساقط وئيداً على تلك الأرض الندية الرطبة المحملة بصباحات القهوة وصوت فيروز من مذياع قديم في مطلع الحي. ورق أيلول يدق في أرواحنا أجراس الذكريات وأوجاعاً باتت في مفاصل جسدنا، ورق أيلول كشوكة توخز ضمير قبر من نحب.. ونحيا على قارعة أمل أن القادم أجمل ونلون ورق أيلول بألوان زاهية لنقنع أنفسنا كما قالت أمي 'أن الألوان الزاهية بشارة خير وتفاؤل' وترتمي أوراق أيلول في حضن الجدول فيسير الهوينى ويطرحها على طرفه فلا بقاء للضعفاء والأوراق الهشة. أسندتُ ظهري على الكرسي الخشبي في الحديقة المطيرة ونسمات أيلول تطوف في المكان فألملم أطراف معطفي وانسحب؛ فهواء الخريف ليس برفيق للانسان. ورق أيلول بلونه الأصفر الذهبي اللامع ماهو إلا رسالة أبدية للكون بأن للحياة دورة ودوران وبأنه لا خلود لحي. صفع باب قلبه حديث أبيه هذا المساء عندما تمتم أمامه إن تعرّتْ الأشجار في أيلول من أوراقها فعلى المرء أن لا يتعرى من أخلاقه. تلك الصبية المدلهمة روحها بغيوم الحزن والفقد تتسمر عند قبر والدها وتراه مغطى بورق أيلول فتزيح عن ستار قلبها وقبره الورق المصفر وتزرع الآس وتنهض متثاقلة' هو حي.. هو حي في قلبي' أرمقُ عاملاً في فيلا رجل ثري في المدينة يجمع ورق أيلول من الحديقة البهية ويسقي كل ورقة من دمه ودموعه فهو لا يجد كفاف يومه. أيلول استحلفك بالله أن ترحل وتأخذ أوراقك معك لعل تشرين هذا العام يكون أخف وطأة منك. أيلول.. ارمِ بمطرك وغيثك على قلوبنا التي أتعبها ألم الانتظار... انتظارالفرح،الحب،السعادةوالنصر. ورق أيلول حلّق في السماء البعيدة وإلى الجبال العتيدة وارخِ علينا أطاريف الحبور والبِشر وقلائد الخلود.