«راحة بال»

مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/30 الساعة 07:12
ذات يوم راجعت أحد أطباء القلب المعروفين للاطمئنان، أجرى الفحص الدوري المطلوب، وقال اتبعني إلى المكتب.

هناك ناولني وصفة قال إنها لعلاج جديد فاعليته عالية جدا وهو أفضل من أي علاج آخر، قرأت الوصفة فإذا مكتوب فيها «راحة بال»، سألته ومن أين تصرف، قال، دبر حالك.

تذكرني تلك الوصفة السحرية بأحوالنا في هذا الزمان حيث سواد الناس يشكون قلة راحة البال. الغني والفقير، المريض والسليم، الحر والسجين، الشباب وكبار السن، الرجال والنساء، كلهم في الأعم الأغلب يشكون ويتذمرون، ومنهم من يتحسر على زمان غابر كانت راحة البال فيه، العنوان الأبرز للحياة.

لماذا نفتقد راحة البال في زمن تطور سبل العيش وتوفر وسائل التكنولوجيا الحديثة على اختلاف أنواعها، بينما كان الآباء والأجداد سعداء مرتاحين البال عموما برغم شظف العيش وبساطة وبدائية أدواته.

يبدو والله أعلم، أننا نحن شعوب ودول وحكومات ما يسمى بالعالم الثالث المعاصرين، داهمنا التطور العالمي الهائل على حين غرة، ولذلك اضطربنا وارتبكنا أمام هذا التطور المتسارع على مدار اللحظات، وصرنا تائهين منغمسين تماما في محاولة الاستيعاب والتنعم بمخرجات عقول غيرنا ممن نصفهم بالمستعمرين الجدد نلعنهم كل يوم بينما نقتات على مخرجات ادمغتهم ومساعداتهم ونحن سعداء شكليا بحب القعود والاكتفاء بمجرد التنظير وغث الكلام والتناوش والتهاوش في ما بيننا والتسابق في الظفر بميزة تدمير أوطاننا تحت وطأة عشق الكرسي وحب الزعامة على ?وائها..!

ما هو الحل إذن وكيف يمكننا الخروج من حياة اللاحياة وعيش اللاعيش والحظوة براحة البال؟.. شخصيا أجزم بأن موروثنا الحضاري وموجوداتنا الطبيعية والبشرية والدينية والروحانية وسواها، أعظم بكثير مما لدى العالم الأول من مثيلاتها، وأن الله تعالى قد أنعم علينا كلنا نحن العرب بما لم ينعم به من خيرات وكنوز وأسباب قوة وتميز على سوانا.

المشكلة إذن هي فينا وفي سوء إدارتنا وفي تناحرنا على الزعامة ومن يحكم كما هو جار الآن في كثير من دولنا ولا حول ولا قوة الا بالله.

راحة البال موجودة برسم التوقف في كل ركن من بلدنا الأردن وسائر بلاد العرب، لكننا وقد تخلينا وطوعا عن هويتنا وعقيدتنا وحضارتنا واستمرانا التقليد الأعمى ولم نوظف عقولنا في تشغيل مواردنا على كثرتها، خاصمتنا راحة البال تماما وحل الشقاء في كل ركن من حياتنا، وصرنا كالعيس يقتلها الظمأ والماء محمول على ظهورها.

قبل أن أغادر، أردنيا لا حاجة بي للقسم بأن حالنا قابل للإصلاح والتطور والاستغناء عن كل آخر لو سخرنا جهودنا وعقولنا وقبل ذلك صفاء قلوبنا في البحث عن راحة البال اجتماعياً وسياسيا واقتصاديا وعلى كل صعيد. الله من وراء قصدي.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/30 الساعة 07:12