أيام سوداء من تاريخنا الأبيض
من ينظر لنا اليوم في هذا البلد الذي مرت عليه نوازل وقلاقل داخلية وخارجية، وكيف أننا ما نزال على قيد الحياة الفاضلة والتعايش الأخوي بين مكونات المجتمع مهما صغرت أو كبرت، لن يصدق كثيرا أننا كنا في زمن مضى أخوة أعداء، ومرد كل ذلك للعقليات الفوضوية التي كانت تحكم وتتحكم بمستوى الوعي لدى الجماهير التي امتلأت أفكارا سوداء لتبرير عجزها بالدفاع عن قضاياها المصيرية، ولعبت القيادات في حقبة من تاريخٍ دور الوصي على القضية الأبرز وهي القضية الفلسطينية التي حملها الفلسطينيون على أعناقهم فيما أقدامهم ثابتة في أعماق تراب الوطن، فقدموا الشهداء بالآلاف وقارعوا العدو وجه لوجه على ثرى فلسطين.
في هذه الأيام تحتفي صحف ووكالات بالذكرى الخمسين لانتهاء أحداث ايلول 1970، ولعل أبزها وكالة الصحافة الفرنسية، ورغم شريط الذكريات الذي ترصده أحداث العالم في التاريخ، فإن كثيرا من الحروب حول العالم وبين الدول وتاريخ الاستسلام أو الاحتلال أو شن الحروب وانتهائها، تجد لها تصورات واقعية عن تلك الأحداث وأهم ما فيها هو قوة مقارعة ودفاع أهل تلك البلاد للقوة المحتلة، وغالبية الدول تحررت بكاملها بعد تقديم قرابين من آلاف المقاتلين الوطنيين، ولكن ما يميز القضية الفلسطينية أن حربها كانت خارج الأرض الفلسطينية فمن عمان الى بيروت الى اليمن ثم الجزائر فتونس، وقبلها في العواصم الأوروبية التي كانت مسرحا لاستشهاد العديد من الرموز الفلسطينية سياسيا وعملياتيا وثقافيا.
خمسون عاما مضت على أحداث بائسة زرعت الفرقة بين الأخوة والأشقاء ومتقاسمي الخبز والماء، تسببت بها فئة تزعمت الجماهير عنوة وهي تعلم أن التحرير لا يبدأ بالقفز فوق حرمات البلد وزعزعة استقراره بعد خروج الجميع من حرب الأيام الستة ثكالى ومشردين، وقاموا باستغلال العواطف وتحفيز عنصر المغالبة لتحويل البلد الآمن الى ثكنات توزعت بين من نصبوا أنفسهم قادة ووجدوا ذلك الاستثمار في السلاح مصدرا لتحكمهم بالجميع، حتى أنك لا تعرف ذلك القائد المزعوم من أي عائلة وأين كان، فيما العائلات العريقة تنظر لهم كزمرة تطاولت وتحكمت بالرأي العام وبالاهواء وبالتصنيفات السياسية والاجتماعية، وشكلت تهديدا للجميع بخلق دولة ممسوخة داخل دولة راتبة يحكمها دستور وقانون.
لا نريد، مع استطاعتنا الحكم على الجميع من الجانبين الضيف والمضيف، أن ننكأ جراح فترة حرجة كان الشيطان مسؤولها الأكبر للإيقاع بالجميع في مخاضة نتنة، ولكن هذا التاريخ لنصف قرن يدل على فشل قيام الدولة الفلسطينية منذ البداية لسوء اختيار الجماهير الشعبية لقيادات لا يعرفونها بالألقاب، ولو بدأت الحركة الثورية على قاعدة ثابتة من اليقين السياسي وقيادتها من رجالات وطنية تحترم القواعد الأساسية للنظام العام وتركز على مقاومتها للعدو دون التذرع بالحمائية من قبل الدولة بناء على اتفاق وقف اطلاق النار، لرأينا وضع قضيتنا الفلسطينية أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، وهذه نتيجة طبيعية للأخطاء التاريخية التي دفع الأردن ثمنا باهضا لإيصال رسالته بأننا جميعا في ذات الخندق.
لهذا فإن الذكريات المؤلمة يجب أن يتجاوزها الجميع، وعلينا أن نصنفها بالتاريخ الأسود وان نتجاوز عنها، ليس خوفا من زعزعة الثقة أو إشاعة الكراهية بل لنستطيع التقدم نحو المستقبل الذي لا ندري أين سيصنفنا بين شعوب العالم التي تجاوزتنا مئات السنين في غضون عشرات السنوات الماضية، فالقضية الفسلطينية ما زالت نارا مستعرة، وشعبنا على أرض فلسطين ما زالوا على عهد أجدادهم مقاومين، ومقدساتنا في القدس يحرسها أبطال شجعان، ولا بأس من متفرقات عقلية تتنطع هنا وهناك تكسبا للمال أو إشباعا للشهوات الشيطانية التي لن تضرب أساس هذا البلد الجامع.
Royal430@hotmail.com
الرأي