القصة الكاملة لفوضى محطات الوقود ببريطانيا.. كيف أوقعت المملكة نفسها بأزمة نقص أعداد سائقي الشاحنات؟

مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/28 الساعة 14:22

مدار الساعة - لا تزال أزمة نقص الوقود في بريطانيا تتفاقم وسط عمليات شراء بين السائقين بـ"دافع الذعر"، فيما أعلنت الحكومة البريطانية مساء الإثنين 27 سبتمبر/أيلول 2021 أنها طلبت من الجيش الاستعداد للقيام بعمليات التوصيل للوقود إذا لزم الأمر. فما سبب هذه الأزمة وكيف بدأت؟ وما دور "البريكست" فيها؟

 
أزمة محطات الوقود في بريطانيا.. ما الذي يحدث؟
في عطلة نهاية الأسبوع، اصطف البريطانيون في محطات الوقود لساعات طويلة في موجة شراء بدافع الذعر، أدت إلى مزيد من الضغط على سلاسل التوريد التي تعاني بالفعل من ضغوط بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأزمة جائحة كورونا. 
 
وبحسب ما أوردت وسائل إعلام بريطانية، تم استدعاء ضباط الشرطة لتنظيم حركة المرور في بعض المواقع، بينما فرض بعض تجار التجزئة قيوداً على عمليات التعبئة. وقالت شركة "بريتيش بتروليوم"، التي لديها 1200 محطة بنزين في بريطانيا، يوم الأحد، إنها قدرت أن 30٪ من شبكتها خرجت عن الخدمة بسبب الطلب الشديد. 
 
وعلى الرغم من دعوة الحكومة السكان إلى عدم الهلع، فقد تهافتوا على محطات الوقود، فيما أشارت بعض الشركات إلى أنها تواجه صعوبات في التوصيل تؤثر على إمدادات المواد الغذائية في متاجر السوبرماركت، جراء تداعيات كوفيد وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
 
ووفقا لرابطة تجار البترول (بي آر إيه) فقد نفد الوقود من حوالي نصف المحطات البالغ عددها 8000 في المملكة المتحدة الأحد.
 
وفي كل أنحاء البلاد، تزايدت لافتات "لا وقود" أو المضخات المغطاة بلافتة تقول "خارج الخدمة"، فيما تصطف عشرات السيارات أمام المحطات التي تخلل بعضها مشاحنات وشجار بين السائقين، فيما يمضي عشرات المستهلكين قسماً من الليل في انتظار التزود بالوقود في محطات لندن.
 
 
هل جفت محطات الوقود في بريطانيا؟
تصر الحكومة البريطانية على أنه لا يوجد نقص في الوقود في البلاد، بل إن الأزمة ناجمة عن تهافت المستهلكين القلقين على شرائه، متسائلة عن التصريحات المثيرة للقلق التي أطلقها اتحاد شركات النقل البري والتي زرعت "بذور الذعر" لديهم.
 
بل إن غرانت شابس، وزير النقل البريطاني، يقول بأن هذه الأزمة "مصطنعة". وألقى باللوم على جمعية صناعية (لم يحددها) لتسريب تفاصيل حول نقص السائقين في شركات الوقود التي تم الكشف عنها خلال اجتماع خاص، حيث أبلغت شركة "بريتيش بتروليوم" الحكومة أنها تواجه أزمة بنقص بمقدار الثلث في كوادرها. وشجعت التقارير التي تفيد بأن محطات الوقود تكافح لتلبية الطلب على المزيد من الشراء بدافع الذعر، مما حول ما قد يكون مشكلة في العرض إلى أزمة.
 
وسبب المشكلة الحالية، ليس نقص الوقود في بريطانيا، ولكن نقص السائقين لنقلها. إذ انخفض عدد سائقي الشاحنات الثقيلة التي تسمى "HGV" في بريطانيا بمقدار 70.000، أي من 305.000 إلى 235.000، في العام الماضي، وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني. 
 
 
وتقول جمعية النقل البري (RHA)، وهي هيئة صناعية، إن النقص الآن هو نقطة في بحر الأزمة، مع وجود نقص بـ 100 ألف سائق بالأساس، مطلوبين لتلبية العجز. وأدى مزيج من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والوباء إلى تفاقم مشكلة مستمرة. ففي تقرير صدر هذا الصيف، قالت جمعية النقل البري البريطانية إن فترات الإغلاق الطويلة والقيود المفروضة على السفر أدت إلى مغادرة العديد من السائقين الأجانب للبلاد. وأدى إغلاق اختبارات قيادة الشاحنات الثقيلة طوال معظم عام 2020 إلى انخفاض في عدد السائقين بأكثر من 40 ألفاً. فيما غادر نحو 20 ألف سائق من الاتحاد الأوروبي بريطانيا أثناء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفقاً لتقديرات RHA. معظمهم لم يعودوا.
 
ما خيارات الحكومة البريطانية لسد هذه الفجوة؟
أعلنت الحكومة البريطانية مساء الإثنين أنها طلبت من الجيش الاستعداد للقيام بعمليات النقل وتوصيل الوقود فى ظل أزمة المحروقات التي اشتدت وتيرتها مع نهاية الأسبوع الماضي. وأعلنت وزارة الطاقة أن عدداً من سائقي الصهاريج العسكرية هم في حالة تأهب وقد تتم الاستعانة بهم إذا اقتضت الحاجة. 
 
وتحت الضغط، قررت الحكومة السبت تعديل سياسة الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومنح ما يصل إلى 10500 تأشيرة عمل مؤقتة، من تشرين الأول/أكتوبر إلى كانون الأول/ديسمبر للتعويض عن النقص الحاد في عدد سائقي الشاحنات وكذلك الموظفين في القطاعات الرئيسية للاقتصاد البريطاني، مثل تربية الدواجن.
 
كذلك، أعفت الحكومة قطاع موزعي الوقود مؤقتاً من قوانين المنافسة حتى يتمكنوا من إعطاء الأولوية للتسليم إلى المناطق الأكثر حاجة إليه. 
 
من جهته، قلل رئيس "رابطة تجار البترول" براين مادرسن من تأثير الاستعانة بالجيش، لأن نقل الوقود، الشديد الاشتعال، يتطلب سائقين "متخصصين جداً" مع إجراءات محددة.
 
وفي ما يتعلق باحتمال عودة السائقين الأوروبيين الذين رجعوا إلى بلدانهم بسبب الوباء وبريكسيت، قال رئيس الرابطة إن هناك أيضاً نقصاً في عدد السائقين في أوروبا القارية.
 
وأشار إلى مشكلة رخص قيادة المركبات الثقيلة التي لا يمكن إصدارها أثناء الحجر الصحي، موضحاً أن "هناك 40 ألف طلب معلق للحصول على تراخيص سوق مركبات ثقيلة من قبل البريطانيين".
 
وبالرغم من أن مجموعة "بريتيش بتروليوم" رحبت بقرار الحكومة منح عدد إضافي من التأشيرات المؤقتة لسائقي الشاحنات، فإنها حذرت من أن "القطاع سيحتاج إلى وقت لتعزيز عمليات التسليم وتجديد المخزونات في مواقع البيع".
 
هل تقود أزمة محطات الوقود بريطانيا إلى أزمة أكبر؟
تشعر اتحادات العاملين في المجال الطبي بالقلق، على غرار "إيفري دكتور" التي تقول إنها تتلقى معلومات من العديد من أعضائها تفيد بأنهم "أمضوا عطلة نهاية الأسبوع في محاولة العثور على وقود دون نتيجة".
 
وقبل نحو شهرين، حذرت قيادات في قطاع النقل ببريطانيا من أن البلاد قد تشهد نقصاً في المنتجات على أرفف المتاجر الكبرى وانهياراً "لا يمكن تصوره" لسلاسل الإمداد بعد أن تسببت الجائحة والبريكيست في خروج أكثر من 100 ألف من سائقي الشاحنات من دائرة العمل ببريطانيا.
 
وقال ريتشارد بيرنيت الرئيس التنفيذي لجمعية النقل على الطرق: "تتحدث المتاجر الكبرى بالفعل عن عدم تلقيها مخزونات الغذاء المتوقعة وهناك فاقد كبير نتيجة لذلك". إذ يعتمد قطاع المتاجر الكبرى في بريطانيا، والذي تقوده متاجر تيسكو وسيسنبريز وأسدا وموريسونز، على جيش من السائقين وعمال المخازن لنقل المحاصيل الطازجة من حقول أوروبا إلى أرففها.
 
ويذكّر الوضع الحالي بحقبة السبعينيات حين تسببت أزمة طاقة بتقنين الوقود وتقليص أسبوع العمل إلى ثلاثة أيام. وقبل عقدين، أدت احتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود إلى إغلاق المصافي وشل النشاط في البلاد لأسابيع.
 
 
وتقول مجلة "Economist" البريطانية إن سبباً آخر قد يفاقم الأزمة ويدعو لاستمرارها على المدى الطويل، وهي أن عدد سائقي الشاحنات الثقيلة في البلاد يشيبون: متوسط ​​أعمارهم 55؛ أقل من 1٪ هم تحت سن 25. في السنوات الخمس المقبلة، قد يتقاعد ثلثهم. إذ إن الحياة على الطريق ليست جذابة كما كانت في السابق، إذ عانى الآلاف من السائقين البريطانيين والأوروبيين في الواقع من خفض رواتبهم بعد الإصلاحات.
 
وتضيف المجلة أن بريطانيا ليست الدولة الوحيدة التي تفتقر إلى السائقين المهرة، حيث وجدت شركة Transport Intelligence، وهي شركة أبحاث أوروبية، أن البلدان في جميع أنحاء أوروبا القارية تواجه نقصاً خاصاً بها. في عام 2020، كانت بولندا تفتقر إلى ما يقرب من 124000 سائق، وألمانيا بما يصل إلى 60.000. 
 
وتقول المجلة إن عدد السائقين المؤهلين في جميع أنحاء القارة يتقلص في ظل ارتفاع الطلب على النقل. على المدى الطويل، يمكن أن تساعد الأجور الأفضل وظروف العمل في سد الفجوات. وفي الوقت الحالي، نصح وزير النقل البريطاني المواطنين القلقين بأن يكونوا "عاقلين وهادئين". تقول المجلة إن نداءه قد لا يفعل الكثير لوقف الذعر بين الناس حتى وقت قريب.
 

مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/28 الساعة 14:22