الإصلاح الإداري..هرمنا لأجله
لا يمكن ان يستقيم الحال في كافة مفاصل الجهاز الحكومي ما لم تكن هناك إرادة حقيقية للبدء بإصلاح إداري، وإعلانها ثورة بيضاء للقضاء على هذا الترهل العفن والمستمر بالتكاثر أينما وجد.
تجاوزنا مرحلة القلق من الترهل الإداري لنبلغ مرحلة الرعب منها، فتردداتها تنعكس على كل ما يتعلق بالمواطنين من جودة الخدمات المقدمة لهم، بالاضافة الى النواحي الاقتصادية والهدر في المال العام، فمتى نستقيم والأهم من ذلك متى سنطبق الثواب والعقاب؟ فلم نعد نحتمل استمرارية الترهل، ولا حتى بقاءه جاثما على أحلامنا وخططنا للتطور والنمو وسباق العالم نحو تقديم أفضل الخدمات.
لا بد من طرح تساؤل برسم الإجابة «لماذا لا نلمح هذا الترهل أو نلمسه في القطاع الخاص؟» فإذا وجد هذا الترهل ستكون العواقب كارثية، فيسارع القطاع على الفور لإعادة السكة لمكانها الصحيح، فلا وجود للواسطة في القطاع الخاص على حساب الكفاءة والمقدرة والخبرة، ولا وجود للمحسوبية ولا للتودد ولا للعلاقات الاجتماعية، فلا تسمع فيها هذا «ابن عمتي أو نسيب أخوي وابن جيران نسايبي وعديلي بالله زبطه»، ففي كافة مفاصل القطاع الخاص، لا مكان للخطّائين ولا للأخطاء أو التفلت من العقاب، لأنه لا يجامل على حساب كفاءة الموظف في تأدية واجب? تجاه مكان العمل.
ولا تنحصر أضرار الترهل وتأخير الإصلاح الإداري بالاقتصاد وجودة الخدمات والهدر المالي الهائل، بل تتجاوزها لإحباط أية محاولة إصلاح سياسي أو اقتصادي نقوم بها، ففي المنطق العلمي لا يستطيع موظف أو مسؤول مترهل يعتمد الواسطة والمحسوبية في حياته العملية نهجا، أن يقوم بأي إصلاحات وخاصة إذا ما كانت تقضي على ترهله وفساده الإداري، فتجده من أشد المحاربين للإصلاح الذي نسعى إليه.
في الأمس القريب ظهرت بعض مشاهد الترهل في القطاع الصحي والتي أشارت إلى بعض مواطن الأخطاء والتي عكست صورة سيئة عن قطاع نتغنى ونفاخر العالم به، لما يحققه يوميا من انجازات عظيمة على كافة الأصعدة ومنها إجراء أخطر وأدق العمليات وآخرها الجهود الجبارة التي أنجزت خلال الجائحة، غير أن غياب المسؤولية والحس الإداري لدى البعض استطاع النيل من سمعته ليشار إليه بالتقصير، ومن هذه التجربة البسيطة نكتشف أن خطأ غير مسؤول يستطيع أن يفسد إنجازا عظيما.
ولا يقتصر ذلك على القطاع الصحي فقط، فما زالت البيروقراطية العفنة في ملف الاستثمار، والذي يعد الترهل الإداري المسبب الرئيس في تأخرنا لالتقاط الفرص الاستثمارية، حتى أن المستثمرين لم يعودوا يشكون من القانون وأخطائه وفجواته، بقدر ما يعانون بسبب الترهل الإداري والذي يتمثل بتأخير إنجاز معاملاتهم المالية والضريبية والجمركية وغيرها من الملفات العالقة هنا وهناك، عداك عن الهدر المالي الكبير.
كل يوم نتأخر فيه في البدء باتخاذ إجراءات حقيقية ورادعة تقودنا إلى إصلاح إداري حقيقي يزيل كافة التشوهات، سنخسر الكثير، ونتأخر كثيرا عن إدراكنا للقطار الذي قد يفوتنا في عملية الإصلاح، لنصبح نادمين على هدر الوقت وإضاعة الفرص، ونستسلم لمقولة «لا يصلح العطار ما أفسده الدهر».
الرأي