الأردن والمراحل القلقة

مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/20 الساعة 09:21
ونحن على أبواب صدور توصيات «لجنة التحديث» من المفيد أن نتذكر أنها ليست المرة الأولى التي تذهب فيها الدولة إلى مسارات تفكير لتجاوز مرحلة قلقة سياسياً أو اقتصادياً، ودائماً يكون البحث عن حلول سياسية لأنها الأسهل من الحلول الاقتصادية التي تحتاج إلى مكونات قد لا تتوفر دائماً.

مع نهاية الثمانينات دخلنا مرحلة قلقة اقتصادياً كان لها ثمن سياسي فذهبنا إلى انتخابات عام ١٩٨٩ التي كانت بوابة لخطوات سياسية كبيرة مثل الغاء الأحكام العرفية والانفتاح السياسي ووضع قانون أحزاب ثم ميثاق وطني أعاد إنتاج الحياة السياسية نوعا ما، وبعدها استقرت الأمور ودخلنا في مراحل سياسية مختلفة مثل معاهدة السلام مع إسرائيل وقبلها كان قانون الصوت الواحد.

ومع بداية الألفية الثالثة كانت هناك محاولات سياسية مثل الأجندة الوطنية وقبلها مشروع كلنا الأردن، إلى أن جاءت فترة ما يسمى «الربيع العربي» التي تعامل معها الأردن استباقياً وعمل على احتوائها وكان من أدوات هذا الذهاب نحو تعديلات دستورية ولجنة حوار وانتخابات مبكرة وكان هذا استحقاق سياسي لمرحلة قلقه عاشتها المنطقة ونحن منها.

وكانت تلك المرحلة هي الأصعب داخلياً لكن الحكمة والتعامل دون انفعال سلبي فضلاً عن الانتباه إلى مخاطر الانفلات الأمني والسياسي جعلت الأردن يخرج من تلك المرحلة القلقة بنجاح ودون أن يدفع ثمناً من شكل الدولة وبنية نظامها السياسي.

وما انتهت ذروة تلك المرحلة حتى كانت عودة الإرهاب والتطرف إلى الإقليم وعلى حدودنا بل ودخل إلى بعض الجغرافيا الأردنية، لكن المرحلة القلقة الجديدة كانت مدخلاً لزيادة التماسك الداخلي، وكانت محاربة الإرهاب قضية وطنية جامعة.

وقبل ظهور «داعش» الكبير كان الملك بدأ في تقديم رؤيته السياسية لبناء الدولة للعقود القادمة، وكانت أول الأوراق النقاشية في بداية عام ٢٠١٣، وتتابعت الأوراق التي حملت حلم أو فكرة الحكومات البرلمانية، لكن الفكرة تحتاج إلى بنية تحتية أهم عناصرها الحياة الحزبية القوية، فنحن في بلد نملك عشرات الأحزاب، لكن الحياة الحزبية مازالت ضعيفة جداً.

وبعد انتخاب المجلس النيابي الحالي بأسابيع، كان الملك يتحدث عن تطوير الحياة السياسية وقانون انتخاب جديد، وهذا يشير إلى أن الهيكل السياسي الجديد للدولة حاضر في ذهن الملك، وليس بعيداً أن أوراق اللجنة الملكية وتفاصيل أفكارها كانت موجودة حتى قبل تشكيل حكومة بشر الخصاونة.

اليوم الجميع بانتظار توصيات «اللجنة» التي سيتعامل معها الرأي العام كما يتعامل مع كثير من القضايا، لكن المهم تحويل هذه المخرجات إلى قوانين نافذة، وحالة سياسية حقيقية ملموسة على الأرض.

ومهما تكن الآراء باللجنة ومخرجاتها فإن الأهم أن هناك مشروعاً في ذهن الملك ليس فقط لتجاوز المرحلة السياسية والاقتصادية الحالية، بل لرسم معالم بنية مختلفة للحياة السياسية، لكن الطريق لن تكون سهلة، ومع كل مرحلة سيكون على أصحاب القرار خوض معركة بناء هذا النموذج، وأيضاً معركة كسب مؤيدين للمشروع وتقليل الخصوم، والكسب الحقيقي ليس كسب أشخاص يبحثون عن ذاتهم في المراحل المتحولة بل كسب البنى الاجتماعية التي تحتاج إلى الاطمئنان إلى أن القادم مصدر أمان على هوية الدولة والمجتمع، وأن القادم لتطوير الحياة السياسية وليس لأمر آخر.

معركة صعبة ومهمة وأول أدواتها أن يكون قادتها من المؤمنين بها قناعة وليس أمراً آخر.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/09/20 الساعة 09:21