التحوط الاستراتيجي.. نجاح الأردن خارجياً
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/30 الساعة 01:42
في الوصف العام عادة يطلق على البلاد العربية أنها مثال للدولة الفاشلة، وفي الحقيقة إنها ليست فاشلة بالمعنى الدقيق، بل إنها تحتوي على عناصر مُفشلة، والسبب سياسي، خصوصا في الارتباط أو الإرتهان للرؤية الخارجية التي تستمد منها الحكومات الدعم السياسي والاقتصادي والتسليحي، فالعنصر السياسي في عقل أي دولة يحفز عامل الصدام والمغالبة داخل مكونات المجتمع السياسي، ومن هناك بدأ العرب يعتمدون على نظرية المحاور الممتدة خارجيا، فمنذ قيام الدول العربية الأولى قبل مئة عام تشرذمت بين المعسكرين الشرقي والغربي، ولكنها اليوم باتت متعددة المحاور حسب الارتباط التاريخي مع الدول العظمى فضلا عن إيران.
من هنا جاءت المبادرة التي تبناها الملك عبدالله الثاني للخروج من مأزق المراوحة الذي تشبث بتلابيب عنق الدولة العراقية طيلة عقد ونصف حتى خنقه تماما، وباتت الهويات الفرعية كارثة سياسية وأمنية، فبعدما كان الشعب العراقي عراقيا، تدخلت فيه قوى الشيطنة ومزقت المجتمع وصنفته حسب الهوية الإثنية والدينية والطائفية، بعد أن زرعت فيه عناصر قوة ايديولوجية متطرفة حد الجنون، وبدأت بإفشال أول حكومة مدنية لتتالى بعد ذلك تشظيات الهوية الدينية ودخول الحركات المتناحرة، ما استدعى اليوم تحركاً عربياً مخلصاً لوقف النزيف الذي يعيشه العراق وأودى به الى خانة الدولة الفاشلة ومساعدته للعودة للحضن العربي.
لقد كان مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة نتاجا لما نسميه التحوط الاستراتيجي في مواجهة التحديات الفرعية ودعم الاستقرار والأمن السياسي والاجتماعي وصولا للاقتصاد البنّاء، ومنها تقليص دور التدخلات القاهرة على مكونات الساحة السياسية العراقية وامتدت الى الجغرافيا السورية واليمينة، ولغايات إنجاح المهمة دفع الأردن بقوة نحو دعم إقامة المؤتمر، واستبق الملك عبدالله بزيارة مشتركة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لبغداد في حزيران الماضي، ونجحت المبادرة في جمع ست دول عربية فضلا عن فرنسا وتركيا وإيران، لوضع إطار جديد لمستقبل الدولة العراقية وإثبات مقدرتها على الخروج من المأزق السياسي المرتهن لبعض القوى المرتبطة بالقرار الخارجي ودعم حكومة الكاظمي كممثل جامع.
في حديثه مع كتاّب الصحف عقب زيارته لواشنطن، تحدث الملك عبدالله الثاني عن الدور الكبير للعراق وأهمية دعم مساعيه للوصول الى توافق وطني جامع وحكومة قوية تمثل جميع الأطياف السياسية العراقية، وقال إننا لا نفرق بين عراقي وآخر بناءً على مرجعيته الدينية أو العرقية والسياسية، بل إن الجميع يجب أن يكونوا عراقيين ونحن سندعم المؤتمر المنتظر، وعلى الشعب العراقي دعم بقاء حكومة قوية وجامعة خصوصا بعد اقتراب موعد الانسحاب العسكري الأميركي من هناك.
وشدد على دور مصر ودول الخليج للوقوف مع العراق وإعادة بنائه سياسيا بعيدا عن الهويات الفرعية، وهذا ما أنتج اليوم نجاحا شاركت فيه دول عربية واجنبية وازنة وحضور ممثل لإيران، وأُعتمد الأردن لإقامة الجولة الثانية من المؤتمر مستقبلا.
المشكلة في بلادنا العربية أن الجمهور لا يهتم للاشتباك السياسي مع الدول الشقيقة على الأقل للبناء على تقدم الاقتصاد والتبادلية والتشاركية في القضايا الهامة لبقاء الدول مستقرة بتعاونية لمواجهة التحديات التي يعاني منها المجتمع العربي الذي غرق تماما في ظلامية يومياته والخوف على مستقبل أجياله ولم يتعلم شيئا من تجارب العالم الذي طحنته الحروب ثم نفض عن رأسه الرماد والأنقاض وبدأ مسيرة التقدم والتطور والصناعة والتجارة والرفاه الاجتماعي، راميا خلف ظهره كل التاريخ الأسود، والتحرر من العقلية الانتقامية بعيدا عن اختلاق الصراعات الفئوية والحدودية.
إن مجرد إقامة مؤتمر شرق عربي ودولي في بغداد بعد الويلات التي ذاقتها هو إنجاز عظيم يمكن البناء عليه في كل دولنا للانعتاق من إرث الماضي الأليم والعودة الى عروبة الشرق العربي، بعيدا عن الارتهان لدول أمعنت في تفكيك مجتمعاتنا التي جعلت دولا كانت منارة علم وعمل لأنهار من الدم والدمار والقتل، وها هي تحتفل بصادراتها الدفاعية وعلى رأسها الطائرات المسيرة والزوارق الحربية السريعة والتكنوحربية، ونحن نغرق أكثر وأكثر في بحر الهذر والتراجع الاقتصادي والتعليمي والسياسي.
Royal430@hotmail.com
الرأي
من هنا جاءت المبادرة التي تبناها الملك عبدالله الثاني للخروج من مأزق المراوحة الذي تشبث بتلابيب عنق الدولة العراقية طيلة عقد ونصف حتى خنقه تماما، وباتت الهويات الفرعية كارثة سياسية وأمنية، فبعدما كان الشعب العراقي عراقيا، تدخلت فيه قوى الشيطنة ومزقت المجتمع وصنفته حسب الهوية الإثنية والدينية والطائفية، بعد أن زرعت فيه عناصر قوة ايديولوجية متطرفة حد الجنون، وبدأت بإفشال أول حكومة مدنية لتتالى بعد ذلك تشظيات الهوية الدينية ودخول الحركات المتناحرة، ما استدعى اليوم تحركاً عربياً مخلصاً لوقف النزيف الذي يعيشه العراق وأودى به الى خانة الدولة الفاشلة ومساعدته للعودة للحضن العربي.
لقد كان مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة نتاجا لما نسميه التحوط الاستراتيجي في مواجهة التحديات الفرعية ودعم الاستقرار والأمن السياسي والاجتماعي وصولا للاقتصاد البنّاء، ومنها تقليص دور التدخلات القاهرة على مكونات الساحة السياسية العراقية وامتدت الى الجغرافيا السورية واليمينة، ولغايات إنجاح المهمة دفع الأردن بقوة نحو دعم إقامة المؤتمر، واستبق الملك عبدالله بزيارة مشتركة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لبغداد في حزيران الماضي، ونجحت المبادرة في جمع ست دول عربية فضلا عن فرنسا وتركيا وإيران، لوضع إطار جديد لمستقبل الدولة العراقية وإثبات مقدرتها على الخروج من المأزق السياسي المرتهن لبعض القوى المرتبطة بالقرار الخارجي ودعم حكومة الكاظمي كممثل جامع.
في حديثه مع كتاّب الصحف عقب زيارته لواشنطن، تحدث الملك عبدالله الثاني عن الدور الكبير للعراق وأهمية دعم مساعيه للوصول الى توافق وطني جامع وحكومة قوية تمثل جميع الأطياف السياسية العراقية، وقال إننا لا نفرق بين عراقي وآخر بناءً على مرجعيته الدينية أو العرقية والسياسية، بل إن الجميع يجب أن يكونوا عراقيين ونحن سندعم المؤتمر المنتظر، وعلى الشعب العراقي دعم بقاء حكومة قوية وجامعة خصوصا بعد اقتراب موعد الانسحاب العسكري الأميركي من هناك.
وشدد على دور مصر ودول الخليج للوقوف مع العراق وإعادة بنائه سياسيا بعيدا عن الهويات الفرعية، وهذا ما أنتج اليوم نجاحا شاركت فيه دول عربية واجنبية وازنة وحضور ممثل لإيران، وأُعتمد الأردن لإقامة الجولة الثانية من المؤتمر مستقبلا.
المشكلة في بلادنا العربية أن الجمهور لا يهتم للاشتباك السياسي مع الدول الشقيقة على الأقل للبناء على تقدم الاقتصاد والتبادلية والتشاركية في القضايا الهامة لبقاء الدول مستقرة بتعاونية لمواجهة التحديات التي يعاني منها المجتمع العربي الذي غرق تماما في ظلامية يومياته والخوف على مستقبل أجياله ولم يتعلم شيئا من تجارب العالم الذي طحنته الحروب ثم نفض عن رأسه الرماد والأنقاض وبدأ مسيرة التقدم والتطور والصناعة والتجارة والرفاه الاجتماعي، راميا خلف ظهره كل التاريخ الأسود، والتحرر من العقلية الانتقامية بعيدا عن اختلاق الصراعات الفئوية والحدودية.
إن مجرد إقامة مؤتمر شرق عربي ودولي في بغداد بعد الويلات التي ذاقتها هو إنجاز عظيم يمكن البناء عليه في كل دولنا للانعتاق من إرث الماضي الأليم والعودة الى عروبة الشرق العربي، بعيدا عن الارتهان لدول أمعنت في تفكيك مجتمعاتنا التي جعلت دولا كانت منارة علم وعمل لأنهار من الدم والدمار والقتل، وها هي تحتفل بصادراتها الدفاعية وعلى رأسها الطائرات المسيرة والزوارق الحربية السريعة والتكنوحربية، ونحن نغرق أكثر وأكثر في بحر الهذر والتراجع الاقتصادي والتعليمي والسياسي.
Royal430@hotmail.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/30 الساعة 01:42