العلم لمن أراد والشهادة للجميع
نفرح جميعا بنجاح أبنائنا بالثانوية ودخولهم الجامعات, للحصول على الشهادة العليا..
وبعيدا عن سوء أو حسن اختيار التخصص العلمي, وإشكالية التخصصات المشبعة ومخرجات التعليم في سوق العمل, فنحن نفرح عندما يتخرج أبناؤنا من الجامعات, وهم يحملون طموحا عاليا في إيجاد فرصة عمل تتناسب واختصاصهم العلمي, ونحزن ونتذمر ونقف عاجزين من طول (طابور) أرقام الدور في ديوان الخدمة المدنية, للبحث عن وظيفة حكومية, هذه الأخيرة التي تعاني أصلا من حجم الإشباع من العاملين لديها. بل إن الوظائف في جدول التشكيلات الحكومية, أصبحت محدودة جدا, تجعل انتظار التعيين يمتد لسنوات طويلة في ظل معايير معقدة للتوظيف.
وعندما يلجأ الخريجون الى القطاع الخاص للبحث عن وظائف تتناسب وتخصصاتهم العلمية تزداد الصدمة, فحتى فرص العمل في هذا القطاع محدودة, وعلى الأغلب تكون تتناسب وتخصصات علمية فنية, وإن وجدت برواتب متواضعة.
أما فيما يتعلق بباقي اختصاصات في (العلوم الانسانية) مثل: الآداب، التاريخ، الجغرافيا وغيرها من التخصصات, فلا يوجد لها سوق عمل, فيلجأ هؤلاء لقبول وظائف لا تحتاج إلا الى تكوين علمي بسيط, ومنهم من يعمل بوظائف أقل من ذلك.
وبالمجمل هذا أصبح حال الغالبية العظمى من شبابنا, الشيء الذي أسهم في انتشار العديد من المظاهر الاجتماعية مثل: تأخر سن الزواج من جهة, ومن جهة اخرى الاستسلام لليأس أو انتشار بعض الممارسات السيئة مثل :تعاطي المخدرات للهروب من الواقع الأليم.
إن ما تحدثت به سابقا وإن كان يؤلم, ولكنها ليست هذه الحقيقة بالكامل, وللقصة وجه آخر, فجميعنا نتفق أيضا أن هناك عادات وتقاليد ومفاهيم خاطئة عندنا, ما زلنا نمارسها منذ عشرات السنين, ساهمت في اتساع المشكلة, وهي بحاجة للتغيير سواء تعلق الأمر أولا: بسوء اختيار التخصص العلمي وضغط الأهالي, لاختيار تخصصات أبنائهم خلافا لرغباتهم ، وطغيان (ثقافة العيب) في اختيار التخصصات المهنية العلمية الحرفية، وهنا كما يقال مربط الفرس, فبالبداية لا بد من التمييز بين التكوين والمعرفة العلمية, والحصول على الشهادة الجامعية, فالمطلوب من شبابنا لبناء مستقبلهم الابتعاد عن التفكير النمطي الى (التفكير الإبداعي) في كيفية استثمار علمي, وترجمته على أرض الواقع الى فرصة عمل أو مشروع إبداعي, أستطيع من خلاله تحقيق طموحاتي, وأولى تلك الخطوات, الابتعاد عن ثقافة العيب, والبدء من الصفر في أي مشروع حتى وإن كان في غير تخصصه العلمي, وتطويع معرفتي العلمية ليصبح مشروعا ناجحا. وكم سمعنا عن الكثير من قصص نجاح الشباب التي أصبح البعض منهم من أصحاب الثروات, بل هناك قصص نجاح عابرة للحدود, وهذا لا يتأتى إلا بالصبر والمثابرة والاجتهاد, فكما يقال: الإبداع يأتي من رحم المعاناة وتحدي الصعوبات.
ولست هنا أتحدث من باب التنظير, فأغلب أغنياء العالم, بل وحتى العلماء والمفكرين والفلاسفة كانوا من أبناء الطبقات الكادحة سلاحهم التحدي والإصرار والعزيمة مفتاح النجاح.
وفي النهاية أقول: آن الأوان للتغيير, ولا بد من استغلال طاقات أبنائنا المعرفية فيما ينفع, فالعلم لمن أراد والشهادة للجميع. الرأي
مستشار وأستاذ القانون الدولي العام