مؤسسة صناعة الأزمات..!
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/12 الساعة 03:43
المثال من القطاع الزراعي، وما يشهده من ازمات موسمية، قلما يقف عندها المتحدثون عنها، ويفكرون برويّة وبنظرة تحليلية، وقبل أن أتحدث عن المثال دعوني أتحدث بالهمّ ومقدماته التي تصلح لتفسير الكثير من الازمات، الاقتصادية والسياسية وغيرها..
الهم ومقدماته كلها، يعتمد على العقل، بل على إيقاف العمل به، ولن أتحدث عن إيقاف العمل بالأخلاقيات حين يطارد الإنسان مصالحه الذاتية، أو ينجرف في خصومات، قد يدفع عليها من جيبه، ليظهر فيها منتصرا، وحين نتحدث عن التنوير، فنحن نتحدث بالضرورة عن الحقيقة، وضرورة وصولها لصاحب القرار وغيره، أي عن الإعلام، وبما أننا نتحدث عن ازمات وملاحقة المصالح الذاتية والفئوية على حساب بلد، فنحن بالضرورة نتحدث عن إعلام مواز سيئ، يهدف للتضليل، ويقود لمزيد من أزمات..
تعالوا نشوف قصة (البقر)، مثلا:
في عام 2018، وصل سعر حليب البقر المباع لمصانع الالبان وغيره الى 20 قرشا وأقل، وشهد القطاع أزمة تسويق لمنتجاته من الألبان وغيرها، فقام وزير الزراعة آنذاك بوضع خطة قصيرة الأجل، لتجاوز هذه الازمة التي تؤثر بشدة على قطاع الأبقار ومنتجاته، وعلى عشرات بل مئات آلاف العاملين او المستفيدين منه، فأوقف الوزير استيراد بكاكير الأبقار من الخارج، لفترة وجيزة، أي منذ بداية 2018 حتى نهاية عام 2019، لكن الرجل غادر الوزارة قبل نهاية استحقاق ايقاف الاستيراد وبداية استئنافه من جديد، فاستغل بعضهم الإيقاف، وحاولوا إبطال أي جهد لاستيراد الأبقار، لأن الحليب أصبح شحيحا، وهم بهذا ضمنوا سعرا مرتفعا، ضاربين عرض الحائط بمصلحة القطاع أو بتأثر الاستثمارات المبنية عليه، او حتى الاكتراث بأسعار المنتجات بالنسبة للمستهلك، وكان صوت هؤلاء يمنع اي وزير من أن يقرر استئناف استيراد بكاكير الأبقار الحلوب، إلى أن عاد الوزير نفسه المهندس خالد الحنيفات وزيرا للزراعة، فوجد أمامه دراسة فنية عن حاجة السوق لمزيد من مشتقات الحليب، فوقع قرارا كان موقوفا لاستيراد 1500 رأس من البكاكير لصالح شركتين كانتا قد قدمتا طلبا للاستيراد، وتمت المماطلة بشأنه، وحين صدر قرار الوزير بالسماح لهاتين الشركتين قامت عليه الدنيا ولم تقعد، وتم تحشيد وصناعة رأي عام تضليلي، لدرجة اتهام الوزير بالانحياز لجهات ضد أخرى تعمل في القطاع المذكور، ولم يستمع أحد إلى تصريحات الوزير وردود الوزارة، بأن قرار إيقاف الاستيراد كان مرحليا، وأننا مقبلون على ازمة في سوق الحليب والألبان، وسوف تظهر الأزمة جلية مع اكتمال خطة الحكومة، الهادفة لفتح القطاعات والعودة الكاملة باقتصاد متعاف، وأن السوق ستشهد ارتفاعا في أسعار مشتقات الحليب مع هذا الصيف، بسبب نقص الحليب، وأن الطلب على اللحوم الحمراء سيرتفع، بسبب العودة إلى ممارسة المناسبات الاجتماعية، وكذلك قطاع السياحة سيتعافى ويعود الطلب على اللحوم كما قبل كورونا، وسوف يكون هذا على حساب المستهلك.
بينما كان الآخرون ولدوافع شتى، ليس بينها مصلحة عامة، كانوا يولولون ويفبركون اخبارا ويطلقون التهم على الوزارة والوزير، ويقولوا بأن الحليب كثير..
ثم ماذا حدث؟..
للمرة الثانية تم تقليص حجم عبوات الالبان او رفع سعرها، حيث حدث مثل هذا عام 2019 ويحدث اليوم، لأن سعر الحليب مرتفع بسبب شُحّ انتاجه، وهذا ما توقعناه قبل حوالي 3 أشهر في هذه الزاوية، وليس هذا فقط.. اعني هل تعلمون ماذا حدث أيضا؟.
إن الذين عارضوا قرار وزارة الزراعة السماح باستيراد الابقار، وقالوا إن القطاع بخير والبلد لا يلزمها حليب أكثر، وأن استيراد الأبقار سيغرق السوق، أصبح بعضهم يقدم مطالبات باستيراد أضعاف ما سمحت به الوزارة قبل شهرين، وأن سعر الكيلو من حليب الأبقار وصل الى 60 قرشا، ويلزمنا أن ننقذ القطاع من الغلاء الفاحش الناجم عن قلة عدد الأبقار الحلوب، وعدم القدرة على تربية بكاكير جديدة بسبب ارتفاع الطلب على اللحوم..!، إنهم يسوقون تصريحات الوزير التي كانوا يعارضونها ولا يكترثون لها قبل عدة أشهر، يسوقونها اليوم كتبريرات لإقناع الوزارة بل الوزير نفسه لاستيراد 5000 رأس من البكاكير!!.
هكذا تتم صناعة الازمات، وتزداد الصورة تعقيدا حين يتطوّع بل يتنطع مسؤولون - لن ندكرهم تعاطفا معهم - وبدوافع شتى بتبني رواية أصحاب المصالح، الذين لا يتعرفون على البلد وعلى المصلحة العامة أو يتعاطفون مع مستهلك، إلا إن احتكروا كل شيء لأنفسهم، ليتحكموا في السوق ويحكموا ويرسموا في موجودات جيوب الغلابى، ويقتطعوا من لحومهم لملء كروشهم وحساباتهم البنكية..
الدستور
الهم ومقدماته كلها، يعتمد على العقل، بل على إيقاف العمل به، ولن أتحدث عن إيقاف العمل بالأخلاقيات حين يطارد الإنسان مصالحه الذاتية، أو ينجرف في خصومات، قد يدفع عليها من جيبه، ليظهر فيها منتصرا، وحين نتحدث عن التنوير، فنحن نتحدث بالضرورة عن الحقيقة، وضرورة وصولها لصاحب القرار وغيره، أي عن الإعلام، وبما أننا نتحدث عن ازمات وملاحقة المصالح الذاتية والفئوية على حساب بلد، فنحن بالضرورة نتحدث عن إعلام مواز سيئ، يهدف للتضليل، ويقود لمزيد من أزمات..
تعالوا نشوف قصة (البقر)، مثلا:
في عام 2018، وصل سعر حليب البقر المباع لمصانع الالبان وغيره الى 20 قرشا وأقل، وشهد القطاع أزمة تسويق لمنتجاته من الألبان وغيرها، فقام وزير الزراعة آنذاك بوضع خطة قصيرة الأجل، لتجاوز هذه الازمة التي تؤثر بشدة على قطاع الأبقار ومنتجاته، وعلى عشرات بل مئات آلاف العاملين او المستفيدين منه، فأوقف الوزير استيراد بكاكير الأبقار من الخارج، لفترة وجيزة، أي منذ بداية 2018 حتى نهاية عام 2019، لكن الرجل غادر الوزارة قبل نهاية استحقاق ايقاف الاستيراد وبداية استئنافه من جديد، فاستغل بعضهم الإيقاف، وحاولوا إبطال أي جهد لاستيراد الأبقار، لأن الحليب أصبح شحيحا، وهم بهذا ضمنوا سعرا مرتفعا، ضاربين عرض الحائط بمصلحة القطاع أو بتأثر الاستثمارات المبنية عليه، او حتى الاكتراث بأسعار المنتجات بالنسبة للمستهلك، وكان صوت هؤلاء يمنع اي وزير من أن يقرر استئناف استيراد بكاكير الأبقار الحلوب، إلى أن عاد الوزير نفسه المهندس خالد الحنيفات وزيرا للزراعة، فوجد أمامه دراسة فنية عن حاجة السوق لمزيد من مشتقات الحليب، فوقع قرارا كان موقوفا لاستيراد 1500 رأس من البكاكير لصالح شركتين كانتا قد قدمتا طلبا للاستيراد، وتمت المماطلة بشأنه، وحين صدر قرار الوزير بالسماح لهاتين الشركتين قامت عليه الدنيا ولم تقعد، وتم تحشيد وصناعة رأي عام تضليلي، لدرجة اتهام الوزير بالانحياز لجهات ضد أخرى تعمل في القطاع المذكور، ولم يستمع أحد إلى تصريحات الوزير وردود الوزارة، بأن قرار إيقاف الاستيراد كان مرحليا، وأننا مقبلون على ازمة في سوق الحليب والألبان، وسوف تظهر الأزمة جلية مع اكتمال خطة الحكومة، الهادفة لفتح القطاعات والعودة الكاملة باقتصاد متعاف، وأن السوق ستشهد ارتفاعا في أسعار مشتقات الحليب مع هذا الصيف، بسبب نقص الحليب، وأن الطلب على اللحوم الحمراء سيرتفع، بسبب العودة إلى ممارسة المناسبات الاجتماعية، وكذلك قطاع السياحة سيتعافى ويعود الطلب على اللحوم كما قبل كورونا، وسوف يكون هذا على حساب المستهلك.
بينما كان الآخرون ولدوافع شتى، ليس بينها مصلحة عامة، كانوا يولولون ويفبركون اخبارا ويطلقون التهم على الوزارة والوزير، ويقولوا بأن الحليب كثير..
ثم ماذا حدث؟..
للمرة الثانية تم تقليص حجم عبوات الالبان او رفع سعرها، حيث حدث مثل هذا عام 2019 ويحدث اليوم، لأن سعر الحليب مرتفع بسبب شُحّ انتاجه، وهذا ما توقعناه قبل حوالي 3 أشهر في هذه الزاوية، وليس هذا فقط.. اعني هل تعلمون ماذا حدث أيضا؟.
إن الذين عارضوا قرار وزارة الزراعة السماح باستيراد الابقار، وقالوا إن القطاع بخير والبلد لا يلزمها حليب أكثر، وأن استيراد الأبقار سيغرق السوق، أصبح بعضهم يقدم مطالبات باستيراد أضعاف ما سمحت به الوزارة قبل شهرين، وأن سعر الكيلو من حليب الأبقار وصل الى 60 قرشا، ويلزمنا أن ننقذ القطاع من الغلاء الفاحش الناجم عن قلة عدد الأبقار الحلوب، وعدم القدرة على تربية بكاكير جديدة بسبب ارتفاع الطلب على اللحوم..!، إنهم يسوقون تصريحات الوزير التي كانوا يعارضونها ولا يكترثون لها قبل عدة أشهر، يسوقونها اليوم كتبريرات لإقناع الوزارة بل الوزير نفسه لاستيراد 5000 رأس من البكاكير!!.
هكذا تتم صناعة الازمات، وتزداد الصورة تعقيدا حين يتطوّع بل يتنطع مسؤولون - لن ندكرهم تعاطفا معهم - وبدوافع شتى بتبني رواية أصحاب المصالح، الذين لا يتعرفون على البلد وعلى المصلحة العامة أو يتعاطفون مع مستهلك، إلا إن احتكروا كل شيء لأنفسهم، ليتحكموا في السوق ويحكموا ويرسموا في موجودات جيوب الغلابى، ويقتطعوا من لحومهم لملء كروشهم وحساباتهم البنكية..
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/12 الساعة 03:43