البرلمان ودبابات الرئيس

مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/08 الساعة 02:01
في عام 1993 وفي ذروة الخلاف ما بين البرلمان الروسي «مجلس السوفييت الأعلى» والرئيس الأول لروسيا «بوريس يلتسين»، قرر الأخير حل المجلس، فقابله البرلمان الروسي بالتصويت على إقالته وتعيين بديل عنه، ما دفع يلتسين إلى تحريك رتل دبابات حاصرت مبنى البرلمان وقصفه بالمدفعية، ودارت معركة دموية تابعناها عبر محطات التلفزة الحية، وخلفّت وراءها مئات القتلى وتشظي المجتمع، ولكن مع القيادة الخلفية لنائب الرئيس آنذاك فلاديمير بوتين، الرئيس الحالي، استطاعت السياسة العليا إطفاء حرائق تشرين 1993 بإشعال حربين مدمرتين في الشيشان لاستنهاض الروح الوطنية للروس، وهذا ما حصل فيما بعد، فعاد البرلمان جامعا للروس وبقي بوتين قيصرا حتى اليوم.

في المقابل وأثناء الحرب العالمية الثانية قصفت الطائرات الألمانية مقر مجلس العموم البريطاني وهو رمز السيادة والعراقة في الامبراطورية العظمى آنذاك، ما تسبب بانهيار المبنى كاملا، ولكن النواب البريطانيين لم يهربوا، بل انتقلوا الى مكان سرّي لعقد اجتماعاتهم، فما كان من رئيس الوزراء ونستون تشيرشل إلا النزول والوقوف على ركام المبنى وأعلن أن النواب سيستمرون في واجبهم رغم الحرب، وكانت لندن تحترق تحت القصف العنيف لطيران الرايخ، ولكن تشيرشل قرر إقامة مبنى سري لعقد اجتماعاتهم فيه، وكان المبنى مجاورا لمبنى حكومة تشيرشل الذي يدير عبره حكومة الحرب، قبل أن ينتقل النواب الى مبنى مجلس اللوردات، وأخذ الإذن من الملك جورج لاستخدام غرفة الملابس الملكية بقصر ويستمنستر لتكون قاعة لمجلس العموم الذي قضوا فيه تسع سنوات..

في الأردن، لا رئيس حكومة يحرك دبابات إلى مجلس النواب، ولا مجلس نواب يصوت على إقالة الحكومة، ما حدث الأربعاء قبيل افتتاح أولى جلسات «الاستثنائية» لا يستحق كل هذا التشويق الذي أشعلته وسائط «الميديا»، وجعل الجمهور منه حطبا يتدفأون عليه في عز الصيف، والقضية كانت تنتهي في أقل من خمس دقائق، دون لغط ولا 'غلط'، ولا افتعال مشاجرة ليس فيها أي أطراف، فالرئيس الخصاونة سيبقى رئيساً أينما جلس، والنائب المحترم سيبقى نائباً حيثما أراد أن يجلس، ولكن بعيدا عن الرئيس والنائب، فالمشهد برمته ليس صحيا، خصوصا مشاهد 'الفزيعّة' الذين زادوا الطين بِلة، من أعضاء كان الأصل فيهم أن يكونوا على مقدرة من تعبئة مقاعدهم بوزن سياسي واقتصادي ومعرفي، مسلحين بالمعرفة وحسن إدارة اللحظة، ومن بينهم من هو كذلك للأمانة، وهذه الاختلافات والتشابك تحدث في كل البرلمانات الحرّة..

إن الأصل في العلاقة ما بين مجلس النواب مهما كان الرأي فيه، وما بين الحكومة مهما كان الرأي فيها، ألا تخضع لمصالح ضيقة أو رؤى غير شمولية، فالحكومة تتحمل مسؤولية توفير العدالة في عيش المواطنين والتخفيف عليهم من آثار هذا الوضع الاقتصادي، وابتكار طرق غير تقليدية بعيدا عن جيوب المواطنين، ويقابلهم النواب بتحضير درسهم جيدا واجتراح مقترحات وأفكار تناقشها مع الحكومة على أرضية العدل للطبقة المتآكلة ودعم جيوب الفقر..

الثقافة السياسية لم تعتمد على نسبة الغني والفقير في أوساطها السياسية والبرلمانية، فالتشريعات الناظمة أطرت مداخل عديدة للرقابة على الحكومة بتشاركية ووعي لا يشوبه مصالح شخصية ولا تحركه طربيدات الضخ الانفجارية لأسباب شخصية أو غايات توجيهية، فالمصلحة العامة للدولة تحتاج لتشاركية مبنية على مبدأ الدستور والقانون والتمثيل الحقيقي لمصالح الشعب، لا للمناكفات وتعطيل مبدأ الرأي والرأي الآخر، وكلما حدث سوء فهم نخرج اسوأ ما عندنا.

العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب في الأردن ليست وليدة القرن العشرين، بل هي من أعرق وأقدم المجالس في العالم العربي منذ عام 1928، وكان غالبية أعضاء المجالس التشريعية رغم تواضع تجاربهم السياسية، على سوية عالية وإدراك عميق لمباني الحياة سياسيا واجتماعيا وعروبيا، وبقيت منهم أسماء خالدة حتى اليوم، فيما لا نستطيع اليوم تذكر أكثر من عشرة اسماء خلال ثلاثة عقود مضت، وذلك لهشاشة بناء الشخصية البرلمانية التي أصبحت مغنما لا مغرما، فتخلفنا حتى في مبدأ الحوار المنتج.

Royal430@hotmail.com

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/08 الساعة 02:01