الثابت والمتغير فـي الحياة السياسية الأردنية 

مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/05 الساعة 02:44
كثيراً ما أقوم بمراجعات تاريخية للحياة السياسية في بلدنا، وما هو المتغير وما هو الثابت في هذه الحياة.

آخر هذه الجلسات كانت قبل أيام، عندما جمعتني هذا الأسبوع، جلسة حميمة مع صديق عزيز، وهو شيوعي عتيق وصلب، ولأنه من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن يلتقي أردنيان دون أن يكون للسياسة نصيب كبير من وقت هذا اللقاء، فقد كان من الطبيعي أن يتحدث صديقي في السياسة، ومن البديهي أن ينتقد الأوضاع ويصب جام غضبه على الدولة، ويصب جام غضبه على مسؤولين، ويتهمهم بالفساد، وبعدم الإخلاص، بعد أن صار مفهوم المعارضة وأداتها الشتم وكيل الاتهامات.

عندما لفتُ نظر صديقي إلى أن عدداً من الذين تولوا ويتولون المناصب القيادية في الدولة، خاصة في السنوات الأخيرة - وزراء، مدراء عامون،.. الخ- هم يساريون ومنهم أعضاء سابقون في الحزب الشيوعي، أجاب بأن هؤلاء اشترتهم الدولة، وقد تعمدت أن أذكر له أسماء قيادية من حزبه وانشقاقات هذا الحزب وتلاوينه المختلفة، فكان يقول عن كل اسم من هذه الأسماء أنه باع نفسه للسلطة، وعندما قلت له إن تكرار هذه الممارسة يؤشر إلى أن الخلل فيكم، وبتنشئتكم الحزبية، التي لم تستطع تحصين قيادتها أمام إغراءات السلطة، فما بالك بالكوادر، التي لا نس?طيع الحكم على صلابتها إلا بعد تعرضها لنار التجربة، ثارت ثائرته وأنهى الحوار شاتما للسلطة التي تشتري الحزبيين، دون أن يعترف بالضعف البنيوي الذي تعاني منه الأحزاب، خاصة على صعيد التربية والإعداد، مكتفية بتلقين كوادرها كتباً ونظريات معظمها، إن لم يكن كلها غريبة عن واقعنا مما يجعل هذه الكوادر تغير مسارها وتبدل مواقفها عند أول إغراء.

حتى نكون منصفين، لا بد من القول إن الاستجابة للإغراء ليست مقصورة على تيار اليسار بمختلف تلاوينه، فالتيار الإسلامي لم يكن أشد صلابة أمام الإغراء، ولم تكن تبريرات استجابته للاغراء تختلف عن تبريرات اليسار، فكل من ترك (الصف)، اتهم بأنه من (الأجهزة) وأنه تساقط أمام إغراء الدنيا، حتى إذا أقبلت الدنيا على التيار الإسلامي بعد عام 1989، صار صفه صفوفا، وتنظيمه تنظيمات، وصارت الدولة متهمة بأنها فرقت وقسمت عندما لوحت بالمغانم.

ولا يختلف التيار القومي كثيرا في مدى الاستجابة لإغراء السلطة ومغانمها.

على الضفة الأخرى، صرنا نلحظ ظاهرة تكبر في مجتمعنا الأردني، هي ظاهرة تحول الكثير من كبار المسؤولين إلى صفوف الذين يمارسون الشتم لمؤسسات الدولة وأدائها ويتحولون إلى (معارضة) فور تركهم للمنصب ومزاياه، متناسين أنهم كانوا جزءا من هذا الأداء.

التدقيق في كل ماسبق واسبابه، يقودنا إلى جملة حقائق، أبرزها أن غياب مفهوم المواطنة وقيم الانتماء جعل روح الغنيمة هي المسيطرة، فتحول وطننا عند شرائح واسعة إلى مجرد غنيمة يحبونه طالما يحلبونه، وينقلبون عليه عندما يجف ضرعه، أما الحقيقة الابرز فهي ان مؤسسة العرش ظلت ثابتة، بل واستطاعت استيعاب من خاصمها، وجعلته يدور في فلكها، وهذه تسجل لها.
الرأي
  • جلسات
  • جلسة
  • صورة
  • إسلامي
  • الأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2021/08/05 الساعة 02:44