رقم الرفاعي منطقي جدا..
علقت بحذر على اللجنة الملكية التي يرأسها دولة سمير الرفاعي بداية تشكيلها، وانطوت التعليقات على بعض التحفظات على التشكيلة، لكنها كلها تعليقات شكلية، ولا تؤثر على الفكرة والحاجة والأولوية الوطنية إن شئتم، فالمسعى كله وطني، ومن الضروري ان تقوم به الدولة في هذا الوقت بالذات، وليس الأمر متعلقا بالمطالبات الشعبية فقط، بل إن (تطوير التشريعات) عمل تقوم به الدولة على امتداد عمرها، ولا يكاد يخلو عام من حديث او تغيير هنا او هناك، على التشريعات الناظمة للحياة العامة كلها، لكن في هذا الوقت من عمر الدولة، ومن احتدام الظروف الدولية والاقليمية، ظهرت حاجة أكثر إلحاحا، تتطلب إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية، لتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، حيث تعاظم الصخب (المتكرر) المفعم بالانتقاد لكل شيء، ولا أقول بأنه صخب وانتقاد في مكانهما، لكنها نفسية عامة يفهمها السياسيون بأنها نضوج سياسي، يتطلب تغييرا، واستجابة مناسبة، سيما ونحن نلتزم كدولة ونظام سياسي بمنهجية إصلاحية متدرجة، تعتمد بالدرجة الأولى على الوعي وحكم القانون وسيادته، ومثل هذه العملية من التغيير لا تجري وفق مجرد قرارات سياسية، بقدر حاجتها لتجارب ونضوج حقيقي في تفكير الناس فهي ثقافة سلوكية تقاس بمهارات التفكير السياسي.
اعتمادا على هذه الحقيقة، فإن ما يتداوله بعضنا تندرا او تأففا أو تشكيكا بتصريحات لسمير الرفاعي، ذكر فيها حاجتنا لـ(20 عاما)، لنتمكن من تشكيل حكومات برلمانية، ترأسها وتشكلها قوى برلمانية، فازت بأغلبيات في انتخابات مجلس النواب، وتتداول وسائل الإعلام تصريحا منسوبا لرئيس اللجنة سمير الرفاعي، يقول فيها بأن جلالة الملك عبدالله الثاني طالب بأن يجري العمل المكثف لنصبح قادرين على تشكيل حكومات برلمانية في أقرب زمن ممكن، وليس 20 عاما.. وهذا طلب ملكي فيه تعويل كبير على الناس قبل اللجنة والجهات الرسمية، فجلالته متفائل بأن نتهيأ فعلا وتنضج حواراتنا وتفكيرنا وديمقراطيتنا في أسرع وقت، لنصبح قادرين فعلا على (الوثوق) بخيارنا الديمقراطي بأن تكون حكوماتنا برلمانية.
التنظير والتعبير عن الغضب، متوفر في حوارنا العام، لدرجة الشطط والتحدث بالإشاعات وترويجها، والطخ في كل الاتجاهات، ومع كل أسف، هذه هي النزعة المسيطرة على الحوار العام، حوار يفهم بعضنا أن من أهم متطلباته رفع الصوت وإطلاق الانتقادات السطحية، والاتهامات، واستسهال اغتيال الشخصيات وإنكار الجهود، وهذه سمة لا تتوافق مع نضج سياسي، يؤهلنا في هذه البلاد أن نتغاضى عن (خصوصيات) حتى لا أقول تشوهات في التفكير، ونقفز الى نظام ديمقراطي من نوع تشكيل حكومات برلمانية.
وقبل ان (تتورم خشوم)، وينطلقوا بموجة من السخط والانتقاد لما ذكرت، اتمنى ان يسند الجميع (ربابته)، ويتفكر في بعض التجارب العربية، التي قفزت خلالها الدول الى أنظمة انتخابية وسياسية، احتكمت فيها الى ارقام نتائج صناديق الانتخابات، ولم تأخذ بعين الإعتبار نضوج فكرة شعوبها، ولم تقم بتغيير منظومة قوانينها الأخرى، التي تكرس سيادة القانون والرضى بنتائج الانتخابات، ونتجنب ذكر أسماء الدول العربية الشقيقة، التي دفعت من أمنها واستقرارها ثمن هذه التغييرات غير المحسوبة، والتي جاءت بسبب ضغوط شعبية و(ثورات) مفاجئة، لكننا ندعو دوما بأن يحمي الله سبحانه هذه الشعوب ودولها واوطانها.
نحن لا نريد دخول معترك مغامرات غير مستعدين لها، فمن الطبيعي أن يمر عقد على التزامنا بقانون انتخاب جديد، يرسخ فكرة المشاركة واحترام افرازات الصناديق، والتخلي عن فكرة المغالبة والفوز الكاسح، لصالح التشاركية واحترام الاختلاف، علما بان السنوات العشر، فترة قليلة في عمر نضالات الشعوب لبلوغ مستويات ناضجة في الديمقراطية، ومهما كانت الظروف سيئة والمعاناة شديدة في بلدنا، فهو سوء ومعاناة لا يقارنان بما جرى على الشعوب الشقيقة الأخرى، التي باءت تجاربها بالفشل، فالمعاناة والفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليست هي فقط ما يحدد حاجة الشعوب لتغيير ديمقراطياتها وقوانينها، بل هناك تجربة وسلوك، وانتظار أجيال لها وزنها في صناديق الاقتراع، وتكون قد تشربت وجربت حق المشاركة وممارسة الحرية بطريقة لا تؤثر على حريات وحقوق الآخر.
هذه البلاد ومهما تشاءم المتشائمون، صمدت، نعم، وحققت انجازات ونتائج طيبة على صعيد البناء والعطاء، لكن لنتذكر أن ذلك لم يكن ليحدث لولا حكمة ثاوية في العقل والنفس الأردنية، وجميعنا يعلم بأن مثل هذه الحكمة والتفكير المتوازن المحسوب، لم نكن لننعم بهما او نحافظ عليهما حتى الآن، لولا أن نظامنا الحاكم فريد رشيد، يحب شعبه ويراعي اختلافاته، ويستند الى القيم النبيلة في إدارة شؤونه، ولو كنا لا قدر الله نرزح تحت نير استعمار او حكم دموي او ديكتاتوري لما صمدنا كل هذا الوقت، ولما كنا حققنا ما حققناه.
الدستور